دخول السلطان محمد ابن الملك أمير حاج ابن الملك محمد ابن الملك قلاوون إلى دمشق في جيشه وأمرائه
لما كان صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من رمضان من هذه السنة رجع القضاة إلى الوطاق الشريف ، وفي صحبتهم الأمراء الذين كانوا بالقلعة ، وقد أعطوا الأمان من جهة السلطان ومن معهم وذويهم ، فدخل القضاة وحجب الأمراء المذكورون ، فخلع على القضاة الأربعة ، وانصرفوا راجعين مجبورين ، وأما الأمراء المذكورون فإنهم أركبوا على خيل ضعيفة ، وخلف كل واحد منهم وشاقي آخذ بوسطه ، قيل : وفي يد كل واحد من الوشاقية خنجر كبير مسلول لئلا يستنقذه منه أحد فيقتله بها - فدخل جهرة بين الناس لبزهم وذلتهم التي قد لبستهم ، وقد أحدق الناس بالطريق من كل جانب ، فقام كثير من الناس الله أعلم بعدتهم ، إلا أنهم قد يقاربون المائة ألف أو يزيدون عليها ، فرأى الناس منظرا فظيعا ، فدخل بهم الوشاقية إلى الميدان الأخضر الذي فيه القصر ، فأجلسوا هنالك وهم ستة نفر; الثلاثة النواب ، وجبريل ، وابن أسندمر ، وسادس ، وظن كل منهم أن يفعل به فاقرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وأرسلت الجيوش داخلة إلى دمشق أطلابا أطلابا في تجمل عظيم - ولبس الحرب يبهر البصر - وخيول ، وأسلحة ، ورماح ، ثم دخل السلطان في آخر ذلك كله بعد العصر بزمن ، وعليه من أنواع الملابس قباء زنجاري ، والقبة والطير ، يحملهما على رأسه الأمير سيف الدين تومان تمر الذي كان نائب طرابلس ، والأمراء مشاة بين يديه ، والبسط تحت قدمي فرسه ، والبشائر تضرب خلفه ، فدخل القلعة المنصورة المنصورية لا البدرية ، ورأى ما قد أرصد بها من المجانيق والأسلحة فاشتد حنقه على بيدمر وأصحابه كثيرا ، ونزل الطارمة ، وجلس على سرير المملكة ، ووقف الأمراء والنواب بين يديه ، ورجع الحق إلى نصابه ، وقد كان بين دخوله ودخول عمه الصالح صالح إلى دمشق في قضية بيبغا آروس تسع سنين ، وكان دخولهما إليها في رمضان; الصالح في أول يوم من رمضان ، وهذا في التاسع والعشرين منه ، وقد قيل : إنه سلخه - والله أعلم - وشرع الناس في الزينة .
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سلخ الشهر نقل الأمراء المغضوب عليهم الذين ضل سعيهم فيما كانوا أبرموه من ضمير سوء للمسلمين - إلى القلعة ، فأنزلوا في أبراجها مهانين مفرقا بينهم ، بعد ما كانوا بها آمنين حاكمين أصبحوا معتقلين مهانين خائفين ، فخاروا بعد ما كانوا رؤساء ، وأصبحوا بعد عزهم أذلاء ، وبقيت أعيان أصحاب هؤلاء الأمراء ، ونودي عليهم في البلد ، ووعد من دل على أحد منهم بمال جزيل ، وولاية إمرة بحسب ذلك .