استيلاء الفرنج لعنهم الله على الإسكندرية
وفي العشر الأخير من شهر الله المحرم احتيط على الفرنج بمدينة دمشق ، وأودعوا في الحبوس في القلعة المنصورة ، واشتهر أن سبب ذلك أن مدينة الإسكندرية محاصرة بعدة شوان ، وذكر أن صاحب قبرس معهم ، وأن الجيش المصري صمدوا إلى حراسة مدينة الإسكندرية ، حرسها الله تعالى وصانها وحماها ، وسيأتي تفصيل أمرها في الشهر الآتي ، فإنه وضح لنا فيه ، ومكث القوم بعد الإسكندرية بأيام فيما بلغنا ، بعد ذلك حاصرها أمير من التتار يقال له : ماميه ، واستعان بطائفة من الفرنج ففتحوها قسرا ، وقتلوا من أهلها خلقا ، وغنموا شيئا كثيرا ، واستقرت عليها يد ماميه ملكا عليها .
ووردت الأخبار بما وقع من الأمر الفظيع بمدينة الإسكندرية من الفرنج ، لعنهم الله ، وذلك أنهم ، وصلوا إليها في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم ، فلم يجدوا بها نائبا ، ولا جيشا ، ولا حافظا للبحر ، ولا ناصرا ، فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار بعد ما حرقوا أبوابا كبيرة منها ، وعاثوا في أهلها فسادا; يقتلون الرجال ، ويأخذون الأموال ، ويأسرون النساء والأطفال ، فالحكم لله العلي الكبير المتعال ، وأقاموا بها يوم الجمعة ، والسبت ، والأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، فلما كان صبيحة يوم الأربعاء قدم الشاليش المصري ، فأقلعت الفرنج - لعنهم الله - عنها وقد أسروا خلقا كثيرا يقاربون الأربعة آلاف ، وأخذوا من الأموال ذهبا ، وحريرا ، وبهارا ، وغير ذلك ما لا يحد ولا يوصف ، وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ ، وقد تفارط الحال ، وتحولت الغنائم كلها إلى الشواني بالبحر ، فسمع للأسارى من العويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين - ما قطع الأكباد ، وذرفت له العيون ، وأصم الأسماع ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدا ، وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر ، فتباكى الناس كثيرا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة ، وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الإسكندرية ، ولعمارة مراكب تغزو الفرنج ، فأهانوا النصارى ، وطلبوا من بيوتهم بعنف ، وخافوا أن يقتلوا ، ولم يفهموا ما يراد بهم ، فهربوا كل مهرب ، ولم تكن هذه الحركة شرعية ، ولا يجوز اعتمادها شرعا ، وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر إلى الميدان الأخضر للاجتماع بنائب السلطنة ، وكان اجتماعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة ، فرأيت منه أنسا كثيرا ، ورأيته كامل الرأي والفهم ، حسن العبارة ، كريم المجالسة ، فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى ، فقال : إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك ، فقلت له : هذا مما لا يسوغ شرعا ، ولا يجوز لأحد أن يفتي بهذا ، ومتى
كانوا باقين على الذمة ،
يؤدون إلينا الجزية ،
ملتزمين بالذلة والصغار ،
وأحكام الملة قائمة -
لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد الفرد فوق ما يبذلونه من الجزية ، ومثل هذا لا يخفى على الأمير ، فقال : كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك ، ولا يمكنني أن أخالفه ؟ وذكرت له أشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرس من الإرهاب ، ووعيد العقاب ، وأنه يجوز ذلك ، وإن لم يفعل ما يتوعدهم به ، كما قال سليمان بن داود عليهما السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512794ائتوني بالسكين أشقه نصفين كما هو الحديث مبسوط في " الصحيحين " ، فجعل يعجبه هذا جدا ، وذكر أن هذا كان في قلبه ، وأني كاشفته بهذا ، وأنه كتب به مطالعة إلى الديار المصرية ، وسيأتي جوابها بعد عشرة أيام ، فتجيء حتى تقف على الجواب ، وظهر منه إحسان ، وقبول وإكرام زائد ، رحمه الله . ثم اجتمعت به في دار السعادة في أوائل شهر ربيع الأول ، فبشرني أنه قد رسم بعمل الشواني والمراكب لغزو الفرنج ، ولله الحمد والمنة . ثم في صبيحة يوم الأحد طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه ، وهم قريب من أربعمائة ، فحلفهم : كم أموالهم ؟ وألزمهم بأداء الربع من أموالهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وقد أمروا إلى الولاة بإحضار من في معاملتهم ، ووالي البر قد خرج إلى القرايا بسبب ذلك ، وجردت أمراء إلى النواحي لاستخلاص الأموال من النصارى في القدس وغير ذلك .