صفحة جزء
قال أي الله عز وجل لأولئك الكاذبين المكذبين يوم القيامة بالذات أو بواسطة الملك : ادخلوا في أمم أي مع أمم والجار والمجرور في موضع الحال أي مصاحبين لأمم قد خلت أي مضت من قبلكم من الجن والإنس يعني كفار الأمم من النوعين وقدم الجن لمزيد شرهم في النار متعلق بادخلوا وجوز أن يتعلق في أمم به ويحمل في النار على البدلية أو على أنه صفة أمم وجوز بعض المفسرين أن يكون هذا إخبارا على جعله سبحانه إياهم في جملة أولئك من غير أن يكون هناك قول مطلقا أي أنه تعالى جعلهم كذلك وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى كلما دخلت أمة من الأمم تابعة أو متبوعة في النار لعنت أختها أي دعت على نظيرها في الدين فتلعن التابعة المتبوعة التي أضلتها وتلعن المتبوعة التابعة التي زادت في ضلالها وعن أبي مسلم يلعن الأتباع القادة يقولون أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم الله تعالى .

حتى إذا اداركوا فيها جميعا غاية لما قبله أي يدخلون فوجا فوجا لاعنا بعضهم بعضا إلى انتهاء تلاحقهم باجتماعهم في النار وأصل اداركوا تداركوا فأدغمت التاء في الدال بعد قلبها دالا وتسكينها ثم اجتلبت همزة الوصل .

وعن ابن عمرو أنه قرأ ( أداركوا ) بقطع ألف الوصل وهو كما قيل مبني على أنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع وإلا فلا مساغ لذلك في كلام الله تعالى الجليل وقرأ ( إذا ادركوا ) بألف واحدة ساكنة ودال بعدها مشددة وفيه جمع ساكنين وجاز لما كان الثاني مدغما ولا فرق بين المتصل والمنفصل قالت أخراهم منزلة وهم الأتباع والسفلة لأولاهم منزلة وهم القادة والرؤساء أو قالت أخراهم دخولا لأولاهم كذلك وتقدم أحد الفريقين على الآخر في الدخول مروي عن مقاتل واللام في ( لأولاهم ) للتعليل لا للتبليغ كما في قولك : قلت لزيد أفعل كذا لأن خطابهم مع الله تعالى لا معهم كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عنهم : ربنا هؤلاء أضلونا أي دعونا إلى الضلال وأمرونا به حيث سنوه فاقتدينا بهم فآتهم عذابا ضعفا أي مضاعفا كما روي عن مجاهد من النار والضعف على ما قاله أبو عبيد ونص عليه الشافعي في الوصايا مثل الشيء مرة واحدة وعن الأزهري أن هذا معنى عرفي والضعف في كلام العرب وإليه يرد كلام الله تعالى المثل إلى ما زاد ولا يقتصر على مثلين بل هو غير المحصور واختاره هنا غير واحد .

وقال الراغب : الضعف بالفتح مصدر وبالكسر اسم كالثني والثني هو الذي يثنيه ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد مثله نحو أن يقال ضعف عشرة وضعف مائة فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف وعلى ذلك قول الشاعر .


جزيتك ضعف الود لما اشتكيته وما أن جزاك الضعف من أحد قبلي



وإذا قيل : أعطه ضعفي واحد اقتضى ذلك الواحد ومثليه وذلك لأن معناه الواحد واللذان يزاوجانه هذا إذا كان الضعف مضافا فإذا لم يكن مضافا فقلت : الضعفين فقد قيل : يجري مجرى الزوجين في أن كل واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين لأن كل واحد منهما يضاعف الآخر فلا يخرجان منهما . اهـ . [ ص: 117 ] ونصب ضعفا على أنه صفة لعذاب وجوز أن يكون بدلا منه و من النار صفة العذاب أو الضعف قال سبحانه وتعالى لكل منكم ومنهم عذاب ضعف من النار أما القادة فلضلالهم وإضلالهم وذلك سبب الدعاء السابق وأما الأتباع فلذلك أيضا عند بعض وكونهم ضالين ظاهر وأما كونهم مضلين فلأن اتخاذهم إياهم رؤساء يصدرون عن أمرهم يزيد في طغيانهم كما قال سبحانه وتعالى وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا واعترض بعدم اطراده فإن اتباع كثير من الأتباع غير معلوم للقادة إلا أن يقال : إنه مخصوص ببعضهم وقيل : الأحسن أن يقال : إن ضعف الأتباع لإعراضهم عن الحق الواضح وتولي الرؤساء لينالوا عرض الدنيا اتباعا للهوى ويدل عليه قوله تعالى : قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وفيه ما فيه والأولى أن يقال : إن ذلك في الأتباع لكفرهم وتقليدهم ولا شك أن التقليد في الهدى ضلال يستحق فاعله العذاب ونقل الراغب عن بعضهم في الآية أن المعنى لكل منكم ومنهم ضعف ما يرى الآخر فإن من العذاب ظاهرا وباطنا وكل يدرك من الآخر الظاهر دون الباطن فيقدر أن ليس له العذاب الباطن واختار أن المعنى لكن منهم ضعف ما لكم من العذاب والظاهر ما عولنا عليه .

ولكن لا تعلمون (38) ما لكم أو ما لكل فريق فلذا تكلمتم بما يشعر باعتقادكم استحقاق الرؤساء الضعف دونكم فالخطاب على التقديرين للأتباع كما هو الظاهر .

وقيل : إنه على الأول للأتباع وعلى الثاني للفريقين بتغليب المخاطبين الذين هم الأتباع على الغيب الذين هم القادة وقرأ عاصم ( لا يعلمون ) بالياء التحتية على انفصال هذا الكلام عما قبله بأن يكون تذييلا لم يقصد به إدراجه في الجواب ومن ادعى أن الخطاب للفريقين على سبيل التغليب قال : إن هذه القراءة على انفصال القادة من الأتباع إذ عليها لا يمكن القول بالتغليب إذ لا يغلب الغائب على المخاطب .

التالي السابق


الخدمات العلمية