صفحة جزء
ونادى أصحاب الجنة بعد الاستقرار فيها كما هو الظاهر وصيغة الماضي لتحقق الوقوع والمعنى ينادي ولا بد كل فريق من أهل الجنة أصحاب النار أي من كان يعرفه في الدنيا من أهلها تبجحا بحالهم وشماتة بأعدائهم وتحسيرا لهم لا لمجرد الإخبار والاستخبار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله عليهم السلام من النعيم والكرامة حقا حيث نلنا ذلك فهل وجدتم ما وعد ربكم أي ما وعدكم من الخزي والهوان والعذاب حقا وحذف المفعول تخفيفا وإيجازا واستغناء بالأول وقيل : لأن ما ساءهم من الوعود لم يكن بأسره مخصوصا بهم وعده كالبعث والحساب ونعيم أهل الجنة فإنهم قد وجدوا جميع ذلك حقا وإن لم يكن وعده مخصوصا بهم .

وتعقب بأنه لا خفاء في كون أصحاب الجنة مصدقين بالكل والكل مما يسرهم فكان ينبغي أن يطلق وعدهم أيضا فالوجه الحمل على ما تقدم ونصب ( حقا ) في الموضعين على الحالية وجوز أن يكون على أنه مفعول ثان ويكون ( وجد ) بمعنى علم والتعبير بالوعد قيل : للمشاكلة وقيل : للتهكم ومن الناس من جوز أن يكون مفعول ( وعد ) المحذوف ( نا ) وحينئذ فلا مشاكلة ولا تهكم وأيا ما كان لا يستبعد هذا النداء هناك وإن بعد ما بين الجنة والنار من المسافة كما لا يخفى .

قالوا في جواب أصحاب الجنة نعم قد وجدنا ذلك حقا وقرأ الكسائي ( نعم ) بكسر العين وهي لغة فيه نسبت إلى كنانة وهذيل ولا عبرة بمن أنكره مع القراءة به وإثبات أهل اللغو له بالنقل الصحيح .

نعم ما روي من أن عمر رضي الله تعالى عنه سأل قوما عن شيء فقالوا : نعم فقال عمر أما النعم فالإبل قولوا : [ ص: 123 ] نعم لا أراه صحيحا لما فيه من المخالفة لأصح الفصيح فأذن مؤذن هو على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه صاحب الصور عليه السلام وقيل : مالك خازن النار وقيل : ملك من الملائكة غيرهما يأمره الله تعالى بذلك ورواية الإمامية عن الرضا وابن عباس أنه علي كرم الله تعالى وجهه مما لم يثبت من طريق أهل السنة وبعيد عن هذا الإمام أن يكون مؤذنا وهو إذ ذاك في حظائر القدس بينهم أي الفريقين لا بين القائلين نعم كما قيل ولا يرد أن الظاهر أن يقال بينهما لأنه غيره متعين أن لعنة الله على الظالمين (44) بأن المخففة أو المفسرة والمراد الإعلام بلعنة الله تعالى لهم زيادة لسرور أصحاب الجنة وحزن أصحاب النار أو ابتداء لعن .

وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي ( أن لعنة الله ) بالتشديد والنصب : وقرأ الأعمش بكسر الهمزة على إرادة القول بالتضمين أو التقدير أو على الحكاية بأذن لأنه في معنى القول فيجري مجراه .

التالي السابق


الخدمات العلمية