صفحة جزء
قوله سبحانه وتعالى: ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار فإنه مع كونه هو المسوق للوعيد بما ذكر ناطق بكون المراد بالعقاب المذكور ما أصابهم عاجلا سواء جعل (ذلكم) إشارة إلى نفس العقاب أو إلى ما تفيده الشرطية من ثبوته لهم، أما على الأول فلأن الأظهر أن محله النصب بمضمر يستدعيه (فذوقوه)، والواو في وأن للكافرين إلخ بمعنى مع، فالمعنى باشروا ذلكم العقاب الذي أصابكم فذوقوه عاجلا مع أن لكم عذاب النار آجلا، فوقع الظاهر موضع الضمير لتوبيخهم بالكفر وتعليل الحكم به، وأما على الثاني فلأن الأقرب أن محله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقوله سبحانه وتعالى: (وأن) إلخ معطوف عليه، والمعنى حكم الله تعالى ذلكم أي: ثبوت هذا العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا، وقوله تعالى: فذوقوه اعتراض وسط بين المعطوفين للتهديد، والضمير على الأول لنفس المشار إليه وعلى الثاني لما في ضمنه اهـ.

واعترض على الاحتمال الأول بأن الكلام عليه من باب الاشتغال وهو إنما يصح لو جوزنا صحة الابتداء في ذلكم وظاهر أنه لا يجوز لأن ما بعد الفاء لا يكون خبرا إلا إذا كان المبتدأ موصولا أو نكرة موصوفة. ورد بأنه ليس متفقا عليه؛ فإن الأخفش جوزه مطلقا، وتقدير باشروا مما استحسنه أبو البقاء وغيره قالوا: لتكون الفاء عاطفة لا زائدة أو جزائية كما في نحو زيدا فاضربه على كلام فيه، وبعضهم يقدر [ ص: 180 ] عليكم اسم فعل. واعترضه أبو حيان بأن أسماء الأفعال لا تضمر. واعتذر عن ذلك الحلبي بأن من قدر لعله نحا نحو الكوفيين فإنهم يجرون اسم الفعل مجرى الفعل مطلقا، ولذلك يعملونه متأخرا نحو كتاب الله عليكم ، وما أشار إليه كلامه من أن قوله سبحانه وتعالى: وأن للكافرين إلخ منصوب على أنه مفعول معه على التقدير الأول لا يخلو عن شيء، فإن في نصب المصدر المؤول على أنه مفعول معه نظرا، ومن هنا اختار بعضهم العطف على ذلكم كما في التقدير الثاني، وآخرون اختاروا عطفه على قوله تعالى: أني معكم داخل معه تحت الإيحاء أو على المصدر في قوله سبحانه وتعالى: بأنهم شاقوا الله ورسوله ولا يخفى أن العطف على (ذلكم) يستدعي أن يكون المعنى: باشروا أو عليكم أو ذوقوا أن للكافرين عذاب النار وهو مما يأباه الذوق، ولذا قال العلامة الثاني: إنه لا معنى له، والعطفان الآخران لا أدري أيهما أمر من الآخر، ولذلك ذهب بعض المحققين إلى اختيار كون المصدر خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، وقيل: هو منصوب ب اعلموا ولعل أهون الوجوه في الآية الوجه الأخير.

والإنصاف أنها ظاهرة في كون المراد بالعقاب ما أصابهم عاجلا، والخطاب فيها مع الكفرة على طريق الالتفات من الغيبة في (شاقوا) إليه، ولا يشترط في الخطاب المعتبر في الالتفات أن يكون بالاسم كما هو المشهور بل يكون بنحو ذلك أيضا بشرط أن يكون خطابا لمن وقع الغائب عبارة عنه كذا قيل وفيه كلام، وقرأ الحسن: (وإن للكافرين) بالكسر، وعليه فالجملة تذييلية واللام للجنس والواو للاستئناف،

التالي السابق


الخدمات العلمية