صفحة جزء
إنا أرسلناك بالحق أي متلبسا مؤيدا به، فالظرف مستقر، وقيل : لغو متعلق بأرسلنا، أو بما بعده، وفسر الحق بالقرآن، أو بالإسلام، وبقاؤه على عمومه أولى بشيرا ونذيرا حالان من الكاف، وقيل : من الحق، والآية اعتراض لتسلية الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، لأنه كان يهتم ويضيق صدره لإصرارهم على الكفر، والمراد إنا أرسلناك لأن تبشر من أطاع وتنذر من عصى، لا لتجبر على الإيمان، فما عليك إن أصروا أو كابروا، والتأكيد لإقامة غير المنكر مقام المنكر بما لاح عليه من أمارة الإنكار، والقصر إفرادي.

ولا تسأل عن أصحاب الجحيم تذييل معطوف على ما قبله، أو اعتراض، أو حال، أي أرسلناك غير مسؤول عن أصحاب الجحيم، ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت ما أرسلت به، وألزمت الحجة عليهم ! [ ص: 371 ] وقرأ أبي (وما) بدل (ولا)، وابن مسعود (ولن) بدل (ذلك)، وقرأ نافع ويعقوب (لا تسأل) على صيغة النهي إيذانا بكمال شدة عقوبة الكفار وتهويلا لها كما تقول: كيف حال فلان، وقد وقع في مكروه، فيقال لك لا تسأل عنه، أي أنه لغاية فظاعة ما حل به، لا يقدر المخبر على إجرائه على لسانه، أو لا يستطيع السامع أن يسمعه، والجملة على هذا اعتراض، أو عطف على مقدر، أي فبلغ والنهي مجازي، ومن الناس من جعله حقيقة، والمقصود منه بالذات نهيه عن السؤال عن حال أبويه، على ما روي أنه عليه الصلاة والسلام سأل جبريل عن قبريهما فدله عليهما، فذهب فدعا لهما، وتمنى أن يعرف حالهما في الآخرة، وقال : ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزلت، ولا يخفى بعد هذه الرواية، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم كما في المنتخب عالم بما آل إليه أمرهما، وذكر الشيخ ولي الدين العراقي أنه لم يقف عليها، وقال الإمام السيوطي : لم يرد في هذا إلا أثر معضل ضعيف الإسناد، فلا يعول عليه، والذي يقطع به أن الآية في كفار أهل الكتاب كالآيات السابقة عليها، والتالية لها، لا في أبويه صلى الله تعالى عليه وسلم، ولتعارض الأحاديث في هذا الباب وضعفها قال السخاوي : الذي ندين الله تعالى به الكف عنهما، وعن الخوض في أحوالهما، والذي أدين الله تعالى به أنا أنهما ماتا موحدين في زمن الكفر، وعليه يحمل كلام الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه إن صح بل أكاد أقول : إنهما أفضل من علي القاري وأضرابه، والجحيم النار بعينها إذا شب وقودها، ويقال : جحمت النار تجحم جحما إذا اضطربت.

التالي السابق


الخدمات العلمية