صفحة جزء
قالوا يا هود ما جئتنا ببينة أي بحجة واضحة تدل على صحة دعواك، وإنما قالوه لفرط عنادهم أو لشدة عماهم عن الحق وعدم نظرهم في الآيات فاعتقدوا أن ما هو آية ليس بآية وإلا فهو وغيره من الأنبياء عليهم السلام جاءوا بالبينات الظاهرة والمعجزات الباهرة وإن لم يعين لنا بعضها، ففي الخبر: "ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر" وما نحن بتاركي آلهتنا أي بتاركي عبادتها عن قولك أي بسبب قولك المجرد عن البينة –فعن- للتعليل كما قيل في قوله تعالى: إلا عن موعدة وعدها إياه وإلى هذا يشير كلام ابن عطية وغيره، فالجار والمجرور متعلق بتاركي).

وذهب بعض المحققين إلى أنه متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المستتر فيه أي صادرين، وهو من الصدر مقابل الورد بمعنى الرجوع عن الماء، وقد شاع في كلامهم استعمال الصدر والورد كناية عن العمل والتصرف، ومنه قوله:


ما أمس الزمان حاجا إلى من يتولى الإيراد والإصدارا

أي يتصرف في الأمور بصائب رأيه، وقد يكتفى بالصدر في ذلك لاستلزامه للورد فيقولون: لا يصدر إلا عن رأيه، والمعنى هنا حينئذ ما نحن بتاركي آلهتنا عاملين بقولك، والنفي فيه راجع إلى القيد والمقيد جميعا لأنهم لا يتركون آلهتهم ولا يعملون بقوله عليه السلام، وقيل: إن صادرين بمعنى معرضين وهو قيد للنفي، والمعنى انتفى تركنا عبادة آلهتنا معرضين عن قولك ويكون هذا جوابا لقوله: لا تتولوا)، وجعل بعضهم إرادة ذلك من باب التضمين لا من باب تقدير المتعلق بقرينة (عن) وجعله كناية كما علمت، وكلام الزمخشري ظاهر في هذا كما يكشف عنه كلام الكشف وما نحن لك بمؤمنين أي بمصدقين فيما جئت به أو في كل ما تأتي وتذر، ويندرج فيه ذلك وقد بالغوا في الإباء عن الإجابة فأنكروا الدليل على نبوته عليه السلام [ ص: 82 ] ثم قالوا مؤكدين لذلك وما نحن بتاركي إلخ، ثم كرروا ما دل عليه الكلام السابق من عدم إيمانهم بالجملة الاسمية مع زيادة الباء، وتقديم المسند إليه المفيد للتقوى دلالة على أنهم لا يرجى منهم ذلك بوجه من الوجوه، وفي ذلك من الدلالة على الإقناط ما فيه

التالي السابق


الخدمات العلمية