صفحة جزء
[ ص: 29 ] أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين المراد استمرار ذلك ودوامه، فهذا الحكم غير ما سبق؛ إذ المراد منه حدوث اللعنة ووقوعها عليهم، وليس المقصود من ذكر الملائكة والناس التخصيص؛ لينافي العموم السابق، ولا العموم ليرد خروج المهيمين الذين لا شعور لهم بذواتهم، وكثيرا من الأتقياء الذين لا يلعنون أحدا، بل المقصود أنه يلعنهم هؤلاء المعتدون من خلفه. و أجمعين تأكيد بالنسبة إلى الكل لا للناس فقط، والمراد بهم المؤمنون؛ لأنهم المعتدون منهم، والكفار كالأنعام؛ لأنه لا يحسم مادة الإشكال، وقيل : إنه باق على عمومه، والكفار يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة، أو الجملة مساقة للإخبار باستحقاق أولئك اللعن من العموم لا بوقوعه بالفعل، ولم يكرر اللعنة هنا كما كرر الفعل قبل اكتفاء به وافتنانا في النظم الكريم، ومناسبة لما يشعر به التأكيد. وقرأ الحسن: ( والملائكة والناس أجمعون ) بالرفع، وخرج على وجوه، فقيل : عطف على لعنة بتقدير لعنة الله ولعنة الملائكة، فحذف المضاف من الثاني، وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل : مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: والملائكة والناس يلعنونهم، أو فاعل لفعل محذوف؛ أي: يلعنهم، وقيل: إن لعنة مصدر مضاف إلى فاعله والمرفوع معطوف على محله، وقد أتبعت العرب فاعل المصدر على محله رفعا، كقوله : مشى الهلوك عليها الخيعل (الفضل) برفع الفضل، وهو صفة للهلوك على الموضع، وإذا ثبت في النعت جاز في العطف؛ إذ لا فارق بينهما، وادعى أبو حيان عدم الجواز؛ لأن شرط العطف على الموضع أن يكون ثمت طالب ومحرز للموضع لا يتغير، وأيضا لعنة وإن سلم مصدريته فهو إنما يعمل إذا انحل؛ لأن والفعل وهنا المقصود الثبوت، فلا يصح انحلاله لهما وسلمه له غيره، وقالوا : إنه مذهب سيبويه .

التالي السابق


الخدمات العلمية