صفحة جزء
إذ أوى معمول عجبا أو كانوا أو اذكر مقدرا، ولا يجوز أن يكون ظرفا ل «حسبت» لأن حسبانه لم يكن في ذلك الوقت، أي: حين التجأ الفتية إلى الكهف واتخذوه مأوى [ ص: 211 ] ومكانا لهم، والفتية جمع قلة لفتى، وهو كما قال الراغب وغيره: الطري من الشبان ويجمع أيضا على فتيان، وقال ابن السراج: إنه اسم جمع وقال غير واحد: إنه جمع فتى كصبي وصبية، ورجح بكثرة مثله، والمراد بهم أصحاب الكهف، وإيثار الإظهار على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه في أنفسهم من حال الفتوة.

فقد روي أنهم كانوا شبانا من أبناء أشراف الروم وعظمائهم مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب، وقيل: لأن صاحبية الكهف من فروع التجائهم إلى الكهف، فلا يناسب اعتبارها معهم قبل بيانه، والظاهر مع الضمير اعتبارها، وليس الأمر كذلك مع هذا الظاهر وإن كانت أل فيه للعهد.

فقالوا ربنا آتنا من لدنك أي: من عندك رحمة عظيمة أو نوعا من الرحمة، فالتنوين للتعظيم أو للنوع، و «من» للابتداء متعلق ب «آتنا»، ويجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا من «رحمة» قدم عليها لكونها نكرة، ولو تأخر لكان صفة لها، وفسرت الرحمة بالمغفرة والرزق والأمن والأولى تفسيرها بما يتضمن ذلك وغيره، وفي ذكر من لدنك إيماء إلى أن ذلك من باب التفضل لا الوجوب، فكأنهم قالوا: ربنا تفضل علينا برحمة وهيئ لنا من أمرنا الذي نحن عليه من مهاجرة الكفار والمثابرة على طاعتك، وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري: «وهيي» بياءين من غير همز، يعني أنهم أبدلوا الهمزة الساكنة ياء، وفي كتاب ابن خالويه قرأ الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: «وهي» بلا همز. انتهى.

وهو يحتمل أن يكون قد أبدل الهمزة ياء، وأن يكون حذفها، والأول إبدال قياسي، والثاني مختلف فيه أينقاس حذف الحرف المبدل من الهمزة في الأمر والمضارع المجزومين أم لا، وأصل التهيئة إحداث الهيئة وهي الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسه أو معقوله ثم استعمل في إحضار الشيء وتيسيره أي: يسر لنا من أمرنا رشدا إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب واهتداء إليه، وقرأ أبو رجاء: «رشدا» بضم الراء وإسكان الشين، والمعنى واحد إلا أن الأوفق بفواصل الآيات قراءة الجمهور، وإلى اتحاد المعنى ذهب الراغب قال: الرشد بفتحتين خلاف الغي ويستعمل استعمال الهداية وكذا الرشد بضم فسكون.

وقال بعضهم: الرشد أي بفتحتين كما في بعض النسخ المضبوطة أخص من الرشد لأن الرشد بالضم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والرشد يقال في الأمور الأخروية لا غير اه، وفيه مخالفة لما ذكره ابن عطية فإنه قال: إن هذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم، وألفاظه تقتضي ذلك، وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه لهذه الآية فإنها كافية.

ويحتمل أن يراد بالرحمة رحمة الآخرة اه، نعم فيما قاله نظر، والأولى جعل الدعاء عاما في أمر الدنيا والآخرة، وإن كان تعقيبه بما بعد ظاهرا في كونه خاصا في أمر الأولى واللام ومن متعلقان ب «هيئ» فإن اختلف معناهما بأن كانت الأولى للأجل والثانية ابتدائية فلا كلام، وإن كانتا للأجل احتاجت صحة التعلق إلى الجواب المشهور.

وتقديم المجرورين على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بهما وإبراز الرغبة في المؤخر وكذا الكلام في تقديم من لدنك على رحمة على تقدير تعلقه ب «آتنا»، وتقديم المجرور الأول على الثاني للإيذان من أول الأمر بكون المسؤول مرغوبا فيه لديهم، وقيل: الكلام على التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة كأنه بلغ إلى مرتبة من الكمال بحيث يمكن أن يؤخذ منه آخر ك «رأيت منك أسدا» أي اجعل أمرنا كله رشدا.

التالي السابق


الخدمات العلمية