صفحة جزء
فخرج على قومه من المحراب أي : من المصلى كما روي عن ابن زيد أو من الغرفة كما قيل ، وأصل المحراب كما قال الطبرسي : مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله ، ويسمى محل العبادة محرابا لما أن العابد كالمحارب للشيطان فيه ، وإطلاق المحراب على المعروف اليوم في المساجد لذلك وهو محدث لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ألف الجلال السيوطي في ذلك رسالة صغيرة سماها إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب . روي أن قومه كانوا من وراء المحراب ينتظرون أن يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم متغيرا لونه فأنكروه وقالوا : ما لك؟ فأوحى إليهم أي أومأ إليهم وأشار كما روي عن قتادة وابن منبه والكلبي والقرطبي وهو إحدى الروايتين عن مجاهد ، ويشهد له قوله تعالى : إلا رمزا وروي عن ابن عباس كتب لهم على الأرض . أن سبحوا بكرة وعشيا وهو الرواية الأخرى عن مجاهد لكن بلفظ على التراب بدل على الأرض وقال عكرمة : كتب على ورقة وجاء إطلاق الوحي على الكتابة في كلام العرب ومنه قول عنترة :


كوحي صحائف من عهد كسرى فأهداها لأعجم طمطى



وقول ذي الرمة :


سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها     بقية وحي في بطون الصحائف



(وأن) إما مفسرة أو مصدرية فتقدر قبلها الباء الجارة ، والمراد بالتسبيح الصلاة مجازا بعلاقة الاشتمال وهو المروي عن ابن عباس وقتادة وجماعة و (بكرة وعشيا) ظرفا زمان له ، والمراد بذلك كما أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية صلاة الفجر وصلاة العصر ، وقال بعض : التسبيح على ظاهره وهو التنزيه أي نزهوا ربكم طرفي النهار ، ولعله عليه السلام كان مأمورا بأن يسبح شكرا ويأمر قومه .

وقال صاحب التحرير والتحبير : عندي في هذا معنى لطيف وهو أنه إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول : سبحان الله تعالى سبحان الخالق جل جلاله، فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك فسبح وأمر بالتسبيح ا هـ .

[ ص: 72 ] فأمرهم بالتسبيح إشارة إلى حصول أمر عجيب ، وقيل : إنه عليه السلام كان قد أخبر قومه بما بشر به قبل جعل العلامة فلما تعذر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشر به من الأمر العجيب فسروا بذلك .

وقرأ طلحة ( أن سبحوه ) بهاء الضمير عائدة إلى الله تعالى ، وروى ابن غزوان عن طلحة ( أن سبحن ) بنون مشددة.

التالي السابق


الخدمات العلمية