صفحة جزء
إنني أنا الله لا إله إلا أنا بدل من (ما يوحى) ولا ريب في أن اختياره عليه السلام ليس لهذا فقط، والتعلق باخترناك كيفما كان يقتضيه . وأجيب بأنه من باب التنصيص على ما هو الأهم والأصل الأصيل ، وقيل : هي سيف خطيب فلا متعلق لها كما في ردف لكم وما موصولة .

وجوز أن تكون مصدرية أي فاستمع للذي يوحى إليك أو للوحي ، وفي أمره عليه السلام بالاستماع إشارة إلى عظم ذلك وأنه يقتضي التأهب له ، قال أبو الفضل الجوهري : لما قيل لموسى عليه السلام استمع [ ص: 171 ] لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره وأصغى بشراشره .

وقال وهب : أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع لما يحب الله تعالى ، وحذف الفاعل في (يوحى) للعلم به ويحسنه كونه فاصلة فإنه لو كان مبنيا للفاعل لم يكن فاصلة ، والفاء في قوله تعالى فاعبدني لترتيب المأمور به على ما قبلها فإن اختصاص الألوهية به تعالى شأنه من موجبات تخصيص العبادة به عز وجل ، والمراد بها غاية التذلل والانقياد له تعالى في جميع ما يكلفه به ، وقيل : المراد بها هنا التوحيد كما في قوله سبحانه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون والأول أولى وأقم الصلاة خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر مع اندراجها في الأمر بالعبادة لفضلها وإنافتها على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره ، وقد سماها الله تعالى إيمانا في قوله سبحانه:وما كان الله ليضيع إيمانكم .

واختلف العلماء في كفر تاركها كسلا كما فصل في محله ، وقوله تعالى لذكري الظاهر أنه متعلق بأقم أي أقم الصلاة لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار ، وروي ذلك عن مجاهد ، وقريب منه ما قيل أي لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به ، وفرق بينهما بأن المراد بالإقامة على الأول تعديل الأركان ، وعلى الثاني الإدامة وجعلت الصلاة في الأول مكانا للذكر ومقره وعلته ، وعلى الثاني جعلت إقامة الصلاة أي إدامتها علة لإدامة الذكر كأنه قيل أدم الصلاة لتستعين بها على استغراق فكرك وهمك في الذكر كقوله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة . وجوز أن يكون متعلقا باعبدني أو بأقم على أنه من باب الأعمال أي لتكون ذاكرا لي بالعبادة وإقامة الصلاة ، وإذا عمم الذكر ليتناول القلبي والقالبي جاز اعتبار باب الأعمال في الأول أيضا وهو خلاف الظاهر .

وقيل : المراد (أقم الصلاة لذكري) خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري أو لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي ولا تقصد بها غرضا آخر كقوله تعالى فصل لربك أو لأن أذكرك بالثناء أي لأثني عليك وأثيبك بها أو لذكري إياها في الكتب الإلهية وأمري بها، أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلوات فاللام وقتية بمعنى عند مثلها في قوله تعالى يا ليتني قدمت لحياتي وقولك : كان ذلك لخمس ليال خلون ، ومن الناس من حمل الذكر على ذكر الصلاة بعد نسيانها ، وروي ذلك عن أبي جعفر ، واللام حينئذ وقتية أو تعليلية ، والمراد أقم الصلاة عند تذكرها أو لأجل تذكرها والكلام على تقدير مضاف والأصل لذكر صلاتي أو يقال : إن ذكر الصلاة سبب لذكر الله تعالى فأطلق المسبب على السبب أو أنه وقع ضمير الله تعالى موقع ضمير الصلاة لشرفها أو أن المراد للذكر الحاصل مني فأضيف الذكر إلى الله عز وجل لهذه الملابسة ، والذي حمل القائل على هذا الحمل أنه ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الصبح فلما قضاها قال : من نسي صلاة فليقضها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال : (أقم الصلاة لذكري ) فظن هذا القائل أنه لو لم يحمل هذا الحمل لم يصح التعليل وهو من بعض الظن، فإن التعليل كما في الكشف صحيح والذكر على ما فسر في الوجه الأول وأراد عليه الصلاة والسلام أنه إذا ذكر الصلاة انتقل من ذكرها إلى ذكر ما شرعت له وهو ذكر الله تعالى، فيحمله على إقامتها ، وقال بعض المحققين : إنه لما جعل المقصود الأصلي من الصلاة ذكر الله تعالى وهو حاصل مطلوب في كل وقت، فإذا فاته الوقت المحدود له ينبغي المبادرة إليه ما أمكنه، فهو من إشارة النص لا من منطوقه حتى يحتاج إلى التمحل فافهم .

[ ص: 172 ] وإضافة ( ذكر ) إلى الضمير تحتمل أن تكون من إضافة المصدر إلى مفعوله، وأن تكون من إضافة المصدر إلى فاعله حسب اختلاف التفسير .

وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء ( للذكرى ) بلام التعريف وألف التأنيث ، وقرأت فرقة ( لذكري ) بألف التأنيث بغير لام التعريف ، وأخرى ( للذكر ) بالتعريف والتذكير

التالي السابق


الخدمات العلمية