صفحة جزء
وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده يريد عليه السلام بالموصول نفسه، وقرأ ابن كثير «قال» يغيروا ولأنه جواب لقولهم: إنه سحر والجواب لا يعطف بواو ولا غيرها، ووجه العطف في قراءة باقي السبعة أن المراد حكاية القولين ليوازن الناظر المحكي له بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد ومن تكون له عاقبة الدار أي العاقبة المحمودة في الدار وهي الدنيا، وعاقبتها أن يختم للإنسان بها بما يفضي به إلى الجنة بفضل الله تعالى وكرمه ووجه إرادة العاقبة المحمودة من مطلق العاقبة أنها هي التي دعا الله تعالى إليها عباده، وركب فيهم عقولا لا ترشدهم إليها ومكنهم منها وأزاح عللهم ووفر دواعيهم وحضهم عليها فكأنها لذلك هي المرادة من جميع العباد والغرض من خلقهم، وهذا ما اختاره ابن المنير موافقا لما عليه الجماعة، وحكى أن بعضهم قال له: ما يمنعك أن تقول فهم عاقبة الخير من إضافة العاقبة إلى ذويها باللام كما في هذه الآية، وقوله تعالى: وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار [الرعد: 42]، وقوله سبحانه: (والعاقبة للمتقين) [الأعراف: 128، القصص: 83] إذ عاقبة الخير هي التي تكون لهم، وأما عاقبة السوء فعليهم لا لهم فقال له: لقد كان لي في ذلك مقال لولا وروده مثل أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار، ولم يقل وعليهم فاستعمال اللام مكان على دليل على إلغاء الاستدلال باللام على إرادة عاقبة الخير، وقد يقال: إن اللام ظاهرة في النفع ويكفي ذلك في انفهام كون المراد بالعاقبة عاقبة الخير، ويلتزم في نحو الآية التي أوردها ابن المنير كونها من باب التهكم، وهذا نظير ما قالوا: إن البشارة في الخير، وبشرهم بعذاب أليم من باب التهكم.

وقال الطيبي انتصارا للبعض أيضا: قلت: الآية غير مانعة عن ذلك فإن قرينة اللعنة والسوء مانعة عن إرادة الخير وإنما أتى بلهم ليؤذن بأنهما حقان ثابتان لهم لازمان إياهم، ويعضده التقديم المفيد للاختصاص فتدبر وقرأ حمزة، والكسائي. «يكون» بالياء التحتية، لأن المرفوع مجازي التأنيث ومفصول عن رافعه.

إنه لا يفلح الظالمون أي لا يفوزون بمطلوب ولا ينجون عن محذور، وحاصل كلام موسى عليه السلام ربي أعلم منكم بحال من أهله سبحانه للفلاح الأعظم حيث جعله نبيا وبعثه بالهدى ووعده حسن العقبى، ولو كان كما تزعمون كاذبا ساحرا مفتريا لما أهله لذلك لأنه غني حكيم لا يرسل الكاذبين ولا ينبئ الساحرين [ ص: 80 ] ولا يفلح عنده الظالمون

التالي السابق


الخدمات العلمية