صفحة جزء
والقمر قدرناه أي صيرنا مسيره أي محله الذي يسير فيه منازل فقدر بمعنى صير الناصب لمفعولين والكلام على حذف مضاف والمضاف المحذوف مفعوله الأول و(منازل) مفعوله الثاني. واختار أبو حيان تقدير مصدر مضاف متعد إلى واحد و(منازل) منصوب على الظرفية؛ أي قدرنا سيره في منازل، وقدر بعضهم (نورا)؛ أي قدرنا نوره في منازل، فيزيد مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية وينقص في المنازل الاستقبالية؛ لما أن نوره مستفاد من ضوء الشمس لاختلاف تشكلاته [ ص: 16 ] بالقرب والبعد منها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها، وبهذا يتم الاستدلال. والحق أنه لا قطع بذلك وليس هناك إلا غلبة الظن، ويجوز أن يكون (قدر) متعديا لاثنين و(منازل) بتقدير ذا منازل، وأن يكون متعديا لواحد وهو (منازل)، والأصل: قدرنا له منازل، على الحذف والإيصال. واختاره أبو السعود، ونصب (القمر) بفعل يفسره المذكور أي: وقدرنا القمر قدرناه، وفي ذلك من الاعتناء بأمر التقدير ما فيه، وكأنه لما أن شهرهم باعتباره، ويعلم منه سر تغيير الأسلوب.

وقرأ الحرميان وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، وابن محيصن ، والحسن بخلاف عنه "والقمر" بالرفع، قال غير واحد على الابتداء وجملة (قدرناه) خبره، ويجوز فيما أرى أن يجري في التركيب ما جرى في قوله تعالى: والشمس تجري من الإعراب. تدبر! والمنازل جمع منزل، والمراد به المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة وهي عند أهل الهند سبعة وعشرون؛ لأن القمر يقطع فلك البروج في سبعة وعشرين يوما وثلث فحذفوا الثلث لأنه ناقص عن النصف كما هو مصطلح أهل التنجيم، وعند العرب وساكني البدو ثمانية وعشرون لا لأنهم تمموا الثلث واحدا كما قال بعضهم، بل لأنه لما كانت سنوهم باعتبار الأهلة مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء أخرى وكذا أوقات تجارتهم وزمان أعيادهم احتاجوا إلى ضبط سنة الشمس لمعرفة فصول السنة حتى يشتغلوا في استقبال كل فصل بما يهمهم في ذلك الفصل من الانتقال إلى المراعي وغيرها فاحتالوا في ضبطها، فنظروا أولا إلى القمر فوجدوه يعود إلى وضع له من الشمس في قريب من ثلاثين يوما، ويختفي آخر الشهر لليلتين أو أقل أو أكثر فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون، وهو زمان ما بين أول ظهوره بالعشيات مستهلا أول الشهر، وآخر رؤيته بالغدوات مستترا آخره، فقسموا دور الفلك عليه فكان كل قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريبا وهو ستة أسباع درجة، فنصيب كل برج منه منزلان وثلث، ثم لما انضبط الدور بهذه القسمة احتالوا في ضبط سنة الشمس بكيفية قطعها لهذه المنازل، فوجدوها تستر دائما ثلاثة منازل ما هي فيه بشعاعها، وما قبلها بضياء الفجر، وما بعدها بضياء الشمس، ورصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين كل ظهوري منزلتين ثلاثة عشر يوما تقريبا، فأيام جميع المنازل تكون ثلاثمائة وأربعة وستين، لكن الشمس تقطع جميعها في ثلاثمائة وخمس وستين فزادوا يوما في أيام منزل غفر، وزادوه ههنا اصطلاحا منهم أو لشرفه على ما تسمعه إن شاء الله تعالى، وقد يحتاج إلى زيادة يومين ليكون انقضاء الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة ويرجع الأمر إلى النجم الأول. واعلم أن العرب جعلت علامات الأقسام الثمانية والعشرين من الكواكب الظاهرة القريبة من المنطقة مما يقارب طريقة القمر في ممره أو يحاذيه فيرى القمر كل ليلة نازلا بقرب أحدها، وأحوال كواكب المنازل مع المنازل كأحوال كواكب البروج مع البروج عند أهل الهيئة، من أنها مسامتة للمنازل وهي في فلك الأفلاك، وإذا أسرع القمر في سيره فقد يخلي منزلا في الوسط، وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل أول الليلتين في أوله وآخرهما في آخره وقد يرى في بعض الليالي بين منزلتين، وما يقال في الشهور إن الظاهر من المنازل في كل ليلة يكون أربعة عشر، وكذا الخفي، وأنه إذا طلع منزل غاب رقيبه وهو الخامس عشر من الطالع سمي به تشبيها له برقيب يرصده ليسقط في المغرب إذا ظهر ذلك في المشرق ظاهر الفساد لأنها ليست على نفس المنطقة ولا أبعاد ما بينها متساوية ولهذا [ ص: 17 ] قد يكون الظاهر ستة عشر وسبعة عشر وقد يكون الخفي ثلاثة عشر، وهذه الكواكب المسماة بالمنازل المسامتة للمنازل الحقيقية على ما روي عن ابن عباس وغيره أولها الشرطان بفتح الشين والراء مثنى شرط بفتحتين وهي العلامة، وهما كوكبان نيران من القدر الثالث على قرني الحمل معترضان بين الشمال والجنوب بينهما ثلاثة أشبار، وبقرب الجنوبي منهما كوكب صغير سمت العرب الكل أشراطا؛ لأنها بسقوطها علامات المطر والريح، والقمر يحاذيهما، وبقرب الشمالي منهما كوكب نير هو الشرطان عند بعض، ويقال للشرطين الناطح أيضا، ثم البطين تصغير البطن وهو ثلاثة كواكب خفية من القدر الخامس على شكل مثلث حاد الزوايا على فخذي الحمل بينه وبين الشرطين قيد رمح، والقمر يجتاز بها أحيانا، ثم الثريا تصغير ثروى من الثراء وهو الكثرة، ويسمى بالنجم وهي على المشهور عند المنجمين ستة كواكب مجتمعة كشكل مروحة مقبضها نحو المشرق وفيه انحناء في جانب الشمال، وقيل هي شبيهة بعنقود عنب وعليه قول أحيحة بن الجلاح أو قيس بن الأسلت:


وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى كعنقود ملاحية حين نورا



والمرصود منها أربعة كلها من القدر الخامس وموضعها سنام الثور، وفي الكشف هي ألية الحمل، وربما يكسفها القمر، ثم الدبران بفتحتين سمي به لأنه دبر الثريا وخلفها وهو كوكب أحمر نير من القدر الأول على طرف صورة السبعة من رقوم الهند ويسمى المجدح وموقعه عين الثور، والذي على طرفه الآخر من القدر الثالث على عينه الأخرى، والثلاثة الباقية وهي من الثالث أيضا على وجهه، وزاوية هذا الرقم على خطم الثور، وبعضهم يسمي الدبران بقلب الثور، وقد يكسفه القمر، ثم الهقعة بفتح الهاء وسكون القاف وفتح العين المهملة، وهي ثلاثة كواكب خفية مجتمعة شبيهة بنقط الثاء كأنها لطخة سحابية، شبهت بالدائرة التي تكون في عرض زور الفرس أو بحيث تصيب رجل الفارس أو بلمعة بياض تكون في جنب الفرس الأيسر تسمى بذلك، وتسمى الأثافي أيضا، وهي على رأس الجبار المسمى بالجوزاء، والقمر يحاذيها ولا يقاربها، ثم الهنعة بوزن الهقعة وثانيه نون، وهي كوكبان من القدر الرابع والثالث شبهت بسمة في منخفض عنق الفرس وهما على رجلي التوأمين مما يلي الشمال، وفي الكشف هي منكب الجوزاء الأيسر، والقمر يمر بهما، ثم الذراع وهما كوكبان أزهران من القدر الثاني على رأسي التوأمين يعنون بهما ذراع الأسد المبسوطة إذ المقبوضة هي الشعرى الشامية مع مرزمها، والقمر يقارب المبسوطة، ثم النثرة وهي الفرجة بين الشاربين حيال وترة الأنف، وهو أنف الأسد، وهما كوكبان خفيان من الرابع بينهما قيد ذراع ولطخة سحابية، وهي على وسط السرطان، ويقربها كوكبان يسميان بالحمارين، واللطخة التي بينهما بالمعلف تشبيها لها بالتبن وبممحظة الأسد أي موضع استتاره، ويكسف القمر كلا منهما، ثم الطرف وهما كوكبان صغيران من الرابع، أحدهما على رأس الأسد قدام عينيه والآخر قدام يده المقدمة، والقمر يحاذي أشملهما ويكسف أجنبهما، ويعنون بالطرف عين الأسد، ثم الجبهة، ويعنون بها جبهة الأسد، وهي أربعة كواكب على سطر فيه تعويج آخذ من الشمال إلى الجنوب، أعظمها على طرف السطر مما يلي الجنوب يسمى قلب الأسد لكونه في موضعه، ويسمى الملكي أيضا، وهو من القدر الأول والقمر يمر به وبالذي يليه، ثم الزبرة بضم الزاي [ ص: 18 ] وسكون الباء، وهما كوكبان نيران على أثر الجبهة، بينهما أرجح من ذراع، وهما على زبرة الأسد أي كاهله عند العرب ، وعند المنجمين عند مؤخره، فزبرة الأسد شعره الذي يزبر عند الغضب في قفاه، أجنبهما من الثالث وأشملهما من الثاني وتسمى ظهر الأسد، والقمر يحاذيهما من جهة الجنوب، ثم الصرفة وهو كوكب واحد على طرف ذنب الأسد، ويسمى ذنب الأسد، والقمر يحاذيه من جهة الجنوب، وسمي بذلك لأن البرد ينصرف عند سقوطه، ثم العواء، يمد ويقصر، والقصر أجود، وهي خمسة كواكب من الثالث على هيئة لام في الخط العربي، ثلاثة منها آخذة من منكب العذراء الأيسر إلى تحت ثديها الأيسر، وهي على سطر جنوبي من الصرفة، ثم ينعطف اثنان على سطر يحيط مع الأول بزاوية منفرجة، زعمت العرب أنها كلاب تعوي خلف الأسد؛ ولذلك سميت العواء، وقيل في ذلك كأنها تعوي في أثر البرد؛ ولهذا سميت طاردة البرد، وقيل هي من عوى الشيء عطفه، فلما فيها من الانعطاف سميت بذلك.

وفي الكشف العوا سافلة الإنسان، ويقال: إنها ورك الأسد، والقمر يخرقها، ثم السماك الأعزل وهو كوكب نير من الأول على كتف العذراء اليسرى قريب من المنطقة، والقمر يمر به ويكسفه، ويقابل السماك الأعزل السماك الرامح، وليس من المنازل، وسمي رامحا لكوكب يقدمه كأنه رمحه، وسمي سماكا لأنه سمك أي ارتفع، ثم الغفر وهي ثلاثة كواكب من الرابع على ذيل العذراء ورجلها المؤخرة على سطر معوج حدبته إلى الشمال، وقيل كوكبان، والقمر يمر بجنوبيهما وقد يحاذي الشمالي وهو منزل خير بعد عن شرين مقدم الأسد ومؤخر العقرب، ويقال: إنه طالع الأنبياء والصالحين، وسميت غفرا لسترها ونقصان نورها، وذكر بعضهم أنها من كواكب الميزان ثم الزبانا بالضم وآخره ألف، وهما كوكبان نيران من الثاني متباعدان في الشمال والجنوب بينهما قيد رمح على كفتي الميزان.

وقال غير واحد: هما قرنا العقرب، والقمر قد يكسف جنوبيهما، ثم الإكليل وهي ثلاثة كواكب خفية معترضة من الشمال إلى الجنوب على سطر مقوس، يشبه شكلها شكل الغفر، الأوسط منها متقدم، والاثنان تاليان، وهي من الرابع والقمر يمر بجميعها، وقيل هي أربعة كواكب برأس العقرب ولذا سميت به وأصل معناه التاج، ثم القلب وهو قلب العقرب كوكب أحمر نير أوسط الثلاثة التي على بدن العقرب على استقامة من المغرب إلى المشرق، وهو من الثاني، واللذان قبله وبعده - ويسميان نياطين - من الثالث، والقمر يمر به ويكسفه من المنطقة، ثم الشولة بفتح الشين المعجمة واللام، وتسمى إبرة العقرب عند الحجازيين، كوكبان من الثاني أزهران متقاربان على طرف ذنب العقرب في موضع الحمة، والقمر يحاذيهما، ثم النعائم أربعة كواكب من الثالث على منحرف تابع للشولة، وتسمى النعائم الواردة أي إلى المجرة، والقمر يمر باثنين منها ويحاذي الباقية، ويقرب منها أربعة أخرى من الثالث على منحرف هي النعائم الصادرة أي من المجرة، وكلها من صورة الرامي وسميت نعائم تشبيها بالخشبات التي تكون على البئر، ثم البلدة وهي قطعة من السماء خالية من الكواكب مستديرة شبهت ببلدة الثعلب وهي ما يكنسه بذنبه، وتسمى أيضا بالمفازة والفرجة، وقيل سميت بذلك تشبيها بالفرجة التي تكون بين الحاجبين، وموضعها خلف الكواكب التي تسمى بالقلادة وهي عصابة الرامي، ثم سعد الذابح كوكبان على قرني الجدي بينهما قدر باع، جنوبيهما من الثالث، والقمر يقاربه ولا يكسفه، ويقرب الشمالي كوكب صغير يكاد يلتصق به، يقال إنه شاته التي يريد أن يذبحها، وقيل: إنه في مذبحه، ولهذا يسمى بالذابح، ثم سعد بلع كوكبان على كف ساكب [ ص: 19 ] الماء اليسرى فوق ظهر الجدي بينهما قدر باع، غربيهما من الثالث وشرقيهما من الرابع ويقرب متقدمهما كوكب صغير كأنه ابتلعه فلهذا سمي به، وفي القاموس سعد بلع كزفر معرفة منزل للقمر طلع لما قال الله تعالى يا أرض ابلعي ماءك وهو نجمان مستويان في المجرى، أحدهما خفي والآخر مضيء يسمى بالعا كأنه بلع الآخر، وقيل: لأنه ليس له ما لسعد الذابح فكأنه بلع شاته، والقمر يقارب أجنبهما ولا يكسفه ثم سعد السعود كوكبان، وقيل ثلاثة، على خط مقوس بين الشمال والجنوب حدبته إلى المغرب، أجنبهما - والقمر يقرب منه - من الخامس على طرف ذنب الجدي، وأشملهما من الثالث، وهو مع الآخر في القول الآخر من كواكب القوس، والقمر يقارب أجنبهما، وسمي بذلك لأنه في وقت طلوعه ابتداء ما به يعيشون وتعيش مواشيهم، ثم سعد الأخبية أربعة كواكب من الثالث، ومن كواكب الرامي على يد ساكب الماء اليمنى ثلاثة منها على شكل مثلث حاد الزوايا، والرابع وسطه وهو السعد، والثلاث خباؤه ولذا سمي بذلك، وقيل: لأنه يطلع قبل الدفء فيخرج من الهوام ما كان مختبئا، والقمر يقاربها من ناحية الجنوب، ثم الفرغ المقدم، ويقال الأعلى، كوكبان نيران من الثاني بينهما قيد رمح، أجنبهما على متن الفرس الأكبر المجنح، وأشملهما على منكبه، والقمر يمر بالبعد منهما، ثم الفرغ المؤخر كوكبان نيران من الثاني بينهما قيد رمح أيضا، أجنبهما على جناح الفرس، وأشملهما مشترك بين سرته ورأس المسلسلة، شبهت العرب الأربعة بفرغ الدلو، وهو بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وغين معجمة مصب الماء منها لكثرة الأمطار في وقتها، ثم بطن الحوت ويقال له: الرشاء، بكسر الراء، أي رشاء الدلو، وقلب الحوت أيضا كوكب نير من الثالث على جنب المرأة المسلسلة، يحاذيه القمر ولا يقاربه، وإنما سمي به لوقوعه في بطن سمكة عظيمة تحت نحر الناقة تصورها العرب من سطرين عليهما كواكب خفية بعضها من المسلسلة وبعضها من إحدى سمكتي الحوت.

هذا واعلم أن هذه المنازل الثمانية والعشرين تسمي العرب الأربعة عشر الشمالية منها التي أولها الشرطان وآخرها السماك شامية، والباقية منها التي أولها الغفر وآخرها بطن الحوت يمانية، وأنها تسمي خروج المنزل من ضياء الفجر طلوعه، وغروب رقيبه وقت الصبح سقوطه، والمنازل التي يكون طلوعها في مواسم المطر الأنواء ورقباءها إذا طلعت في غير مواسم المطر البوارح. قاله القطب، وقال الجوهري : النوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى مضي ثلاثة عشر يوما ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما، قال أبو عبيد: ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع، والعرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها، وقال الأصمعي : إلى الطالع في سلطانه، فتقول: مطرنا بنوء الثريا مثلا والجمع أنواء ونوآن مثل عبد وعبدان، وذكر الطيبي عن المرزوقي أن نوء الشرطين ثلاثة أيام، ونوء البطين ثلاث ليال، ونوء الثريا خمس ليال، ونوء الدبران ثلاث ليال، ونوء الهقعة ست ليال، ولا يذكرون نوأها إلا بنوء الجوزاء، ونوء الهنعة لا يذكر أيضا، وإنما يكون في أنواء الجوزاء والذراع لا نوء له، ونوء النثرة سبع ليال ونوء الطرف ثلاث ليال، ونوء الجبهة سبع، والزبرة أربع، والصرفة ثلاث، والعواء ليلة، والسماك أربع، والغفر ثلاث، وقيل ليلة، والزبانا ثلاث، والإكليل أربع، والقلب ثلاث، والشولة كذلك، والنعائم ليلة، والبلدة ثلاث، وقيل: ليلة، وسعد الذابح ليلة، وبلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرغ المقدم ثلاث، والمؤخر أربع ولم يذكر في نسختي للرشاء نوءا. ثم إن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا إن أراد به أن النوء [ ص: 20 ] نزل بالماء فهو كفر، والقائل كافر حلال دمه إن لم يتب كما نص عليه الشافعي وغيره، وفي الروضة: من اعتقد أن النوء يمطر حقيقة كفر وصار مرتدا، وإن أراد أن النوء سبب ينزل الله تعالى به الماء حسبما علم وقدر فهو ليس بكفر بل مباح؛ لكن قال ابن عبد البر : هو وإن كان مباحا كفر بنعمة الله تعالى وجهل بلطيف حكمته.

وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أثر سماء: "هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله تعالى ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب" وظاهره أن الكفر مقابل الإيمان فيحمل على ما إذا أراد القائل ما سمعت أولا. والله تعالى الحافظ من كل سوء لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره.

والقمر في العرف العام هو الكوكب المعروف في جميع ليالي الشهر، والمشهور عند اللغويين أنه بعد الاجتماع مع الشمس ومفارقته إياها لا يسمى قمرا إلا من ثلاث ليال وست وعشرين ليلة وفيما عدا ذلك يسمى هلالا، ولعل الأظهر في الآية حمله على المعنى الأول وهو الشائع إذا ذكر مع الشمس، أي قدرنا هذا الجرم المعروف منازل ومسافات مخصوصة فسار فيها ونزلها منزلة منزلة حتى عاد أي صار في أواخر سيره وقربه من الشمس في رأي العين كالعرجون هو عود عذق النخلة من بين الشمراخ إلى منبته منها، وروي ذلك عن الحسن وقتادة ، وعن ابن عباس أنه أصل العذق، وقيل: الشمراخ، وهو ما عليه البسر من عيدان العذق والكباسة، والمشهور الأول، ونونه - على ما حكي عن الزجاج - زائدة فوزنه فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج والانعطاف، وذهب قوم - واختاره الراغب ، والسمين، وصاحب القاموس - إلى أنها أصلية فوزنه فعلول. وقرأ سليمان التيمي "كالعرجون" بكسر العين وسكون الراء وفتح الجيم وهي لغة فيه، كالبزيون والبزيون وهو بساط رومي أو السندس القديم أي العتيق الذي مر عليه زمان يبس فيه، ووجه الشبه الاصفرار والدقة والاعوجاج، وقيل: أقل مدة القدم حول، فلو قال رجل: كل مملوك لي قديم فهو حر؛ عتق منهم من مضى له حول وأكثر، وقيل: ستة أشهر، وحكاه بعض الإمامية عن أبي الحسن الرضا رضي الله عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية