صفحة جزء
لهم فيها فاكهة بيان لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب وما يتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان ما لهم فيها من مجالس الأنس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة كذا قيل، ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا وقع جواب سؤال نشأ مما يدل عليه الكلام السابق من اشتغالهم بالأنس واتكائهم على الأرائك عدم تعاطيهم أسباب المأكل والمشرب فكأنه قيل: إذا كان حالهم ما ذكر فكيف يصنعون في أمر مأكلهم؟ فأجيب بقوله سبحانه: لهم فيها فاكهة وهو مشير إلى أن لهم من المأكل ما لهم على أتم وجه، وأفيد أن فيه إشارة إلى أنه لا جوع هناك وليس الأكل لدفع ألم الجوع، وإنما مأكولهم فاكهة ولو كان لحما، والتنوين للتفخيم أي فاكهة جليلة الشأن، وفي قوله سبحانه: لهم فيها فاكهة دون يأكلون فيها فاكهة إشارة إلى كون زمام الاختيار بأيديهم وكونهم مالكين قادرين فإن شاؤوا أكلوا وإن شاؤوا أمسكوا.

ولهم ما يدعون أي ما يدعون به لأنفسهم أي لهم كل ما يطلبه أحد لنفسه لا أنهم يطلبون، فإنه حاصل كما إذا سألك أحد فقلت: لك ذلك تعني فلم تطلب؟ أو لهم ما يطلبون بالفعل على أن هناك طلبا وإجابة؛ لأن الغبطة بالإجابة توجب اللذة بالطلب فإنه مرتبة سنية لا سيما والمطلوب منه والمجيب هو الله تعالى الملك الجليل جل جلاله وعم نواله، فيدعون من الدعاء بمعنى الطلب، وأصله يدتعيون على وزن يفتعلون سكنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وقيل: بل ضمت العين لأجل واو الجمع ولم يلق حركة الياء عليها وإنما حذفت استثقالا ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار يدتعون فقلبت التاء دالا وأدغمت، وافتعل بمعنى فعل الثلاثي كثير ومنه اشتوى بمعنى شوى واجتمل بمعنى جمل أي أذاب الشحم.

قال لبيد:

فاشتوى ليلة ريح واجتمل

.

(ولهم) خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وهي موصولة والجملة بعدها صلة والعائد محذوف وهو إما ضمير مجرور أو ضمير منصوب على الحذف والإيصال، وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة، وأن تكون مصدرية؛ فالمصدر حينئذ مبتدأ، وهو خلاف الظاهر، والجملة عطف على الجملة قبلها، وعدم الاكتفاء بعطف ما على (فاكهة) لئلا يتوهم كونها عبارة عن توابع الفاكهة ومتمماتها.

وجوز أن يكون (يدعون) من الافتعال بمعنى التفاعل كارتموه بمعنى تراموه أي لهم ما يتداعون، والمعنى كل ما يصح أن يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم أو ما يطلبه بعضهم من بعض بالفعل لما في ذلك من التحاب، وأن يكون من الافتعال على ما سمعت أولا إلا أن الدعاء بمعنى التمني.

قال أبو عبيدة : العرب تقول ادع علي ما شئت بمعنى تمن علي، وتقول: فلان في خير ما ادعى أي تمنى أي لهم ما يتمنون، قال الزجاج : وهو مأخوذ من الدعاء أي كل ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم، قيل: افتعل بمعنى فعل فيدعون بمعنى يدعون من الدعاء بمعناه المشهور أي لهم ما كان يدعون به الله - عز وجل - في الدنيا من الجنة ودرجاتها.

التالي السابق


الخدمات العلمية