صفحة جزء
"فإنهم" أي الفريقين المتسائلين، والكلام تفريع على ما شرح من حالهم "يومئذ" أي يوم إذ يتساءلون والمراد به يوم القيامة في العذاب مشتركون كما كانوا مشتركين في الغواية. واستظهر أن المغوين أشد عذابا وذلك في مقابلة أوزارهم وأوزار مثل أوزارهم فالشركة لا تقتضي المساواة إنا كذلك أي مثل ذلك الفعل البديع الذي تقتضيه الحكمة التشريعية نفعل بالمجرمين أي بالمشركين لقوله - سبحانه وتعالى - : إنهم كانوا إذا قيل لهم بطريق الدعوة والتلقين لا إله إلا الله يستكبرون عن القبول.

وفي إعراب هذه الكلمة الطيبة أقوال: الأول أن يكون الاسم الجليل مرفوعا على البدلية من اسم لا باعتبار المحل الأصلي وهو الرفع على الابتداء بدل بعض من كل وإلا مغنية عن الربط بالضمير. وإذا قلنا إن البدل في الاستثناء قسم على حدة مغاير لغيره من الأبدال اندفع عن هذا الوجه كثير من القيل والقال وهو الجاري على ألسنة المعربين، والخبر عليه عند الأكثرين مقدر والمشهور تقديره "موجود"، والكلمة الطيبة في مقابلة المشركين وهم إنما يزعمون وجود آلهة متعددة ولا يقولون بمجرد الإمكان على أن نفي الوجود في هذا [ ص: 84 ] المقام يستلزم نفي الإمكان وكذا نفي الإمكان عمن عداه - عز وجل - يستلزم ثبوت الوجود بالفعل له تعالى.

وجوز تقديره "مستحق للعبادة"، ونفي استحقاقها يستلزم نفي التعدد لكن لا يتم هذا التقدير على تفسير الإله بالمستحق بالعبادة كما لا يخفى.

واختار البازلي تقدير الخبر مؤخرا عن "إلا الله" بناء على أن تقديره - مقدما - يوهم كون الاسم مستثنى مفرغا من ضمير الخبر وهو لا يجوز عند المحققين، وأجازه بعض، وهو القول الثاني، والثالث - ونسب إلى الكوفيين - أن "إلا" عاطفة والاسم الجليل معطوف على الإله باعتبار المحل وهي عندهم بمنزلة لا العاطفة في أن ما بعدها يخالف ما قبلها إلا أن "لا" لنفي الإيجاب وإلا لإيجاب النفي، والرابع أن الاسم الكريم هو الخبر ولا عمل لها فيه على رأي سيبويه من أن الخبر مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، فلا يلزم عملها في المعارف على رأيه وهو لازم على رأي غيره، وضعف هذا القول به وكذا بلزوم كون الخاص خبرا عن العام.

وكون الكلام مسوقا لنفي العموم والتخصيص بواحد من أفراد ما دل عليه العام لا يجدي نفعا ضرورة أن "لا" هذه عند الجمهور من نواسخ المبتدأ والخبر، والخامس أن "إلا" بمعنى "غير" وهي مع اسمه - عز اسمه - صفة لاسم "لا" باعتبار المحل أي لا إله غير الله تعالى في الوجود، ولا خلل فيه صناعة وإنما الخلل فيه - كما قيل - معنى؛ لأن المقصود نفي الألوهية عن غيره - تعالى - وإثباتها له - سبحانه - وعلى الاستثناء يستفاد كل من المنطوق، وعلى هذا لا يفيد المنطوق إلا نفي الألوهية من غيره - تعالى - دون إثباتها له - عز وجل، واعتبار المفهوم غير مجمع عليه؛ لا سيما مفهوم اللقب، فإنه لم يقل به إلا الدقائق وبعض الحنابلة، والسادس - ونسب إلى الزمخشري - أن "لا إله" في موضع الخبر و"إلا الله" في موضع المبتدأ، والأصل الله إله فلما أريد قصر الصفة على الموصوف قدم الخبر وقرن المبتدأ بـ"إلا" إذ المقصور عليه هو الذي يلي "إلا" والمقصور هو الواقع في سياق النفي، والمبتدأ إذا قرن بـ"إلا" وجب تقديم الخبر عليه كما هو مقرر في موضعه، وفيه تمحل مع أنه يلزم عليه أن يكون الخبر مبنيا مع لا وهي لا يبنى معها إلا المبتدأ، وإنه لو كان الأمر كما ذكر لم يكن لنصب الاسم الواقع بعد "إلا" وجه، وقد جوزه جماعة في هذا الترتيب وترك كلامهم لواحد إن التزمته لا تجد لك ثانيا فيه، والسابع: أن الاسم المعظم مرفوع بـ"إله" كما هو حال المبتدأ إذا كان وصفا فإن إلها بمعنى مألوه من أله إذا عبد فيكون قائما مقام الفاعل وسادا مسد الخبر كما في ما مضروب العمران.

وتعقب بمنع أن يكون "إله" وصفا وإلا لوجب إعرابه وتنوينه ولا قائل به. ثم إن هذه الكلمة الطيبة يندرج فيها معظم عقائد الإيمان لكن المقصود الأهم منها التوحيد ولذا كان المشركون إذا لقنوها أولا يستكبرون وينفرون

التالي السابق


الخدمات العلمية