صفحة جزء
إلا موتتنا الأولى التي كانت في الدنيا وهي متناولة - عند أهل السنة - لما في القبر بعد الإحياء للسؤال لعدم الاعتداد بالحياة فيه لكونها غير تامة ولا قارة وزمانها قليل جدا، والاستثناء مفرغ من مصدر مقدر، كأنه [ ص: 94 ] قيل: أفما نحن بميتين موتة إلا موتتنا الأولى، وجوز أن يكون منقطعا أي لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا، وعلمهم بأنهم لا يموتون ناشئ من إخبار أنبيائهم لهم في الدنيا وإعلامهم إياهم بأن أهل الجنة لا يموتون أو من قول الملائكة - عليهم السلام - لهم حين دخول الجنة طبتم فادخلوها خالدين وقولهم ادخلوها بسلام آمنين وقيل: إن أهل الجنة - أول ما دخلوا - لا يعلمون أنهم لا يموتون فإذا جيء بالموت على صورة كبش أملح وذبح فنودي يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت فحينئذ يعلمونه فيقولون ذلك تحدثا بنعمة الله تعالى واغتباطا بها، ولا يخفى أن كون هذا القول المحكي هنا عند علمهم بعدم الموت من ذبحه بعيد في هذا المقام والظاهر أن هذا بعد الاطلاع والكلام مع القرين. وما نحن بمعذبين كأصحاب النار، والمراد استمرار النفي وتأكيده وكذا فيما تقدم، واستمرار هذا النفي نعمة جليلة وهو متضمن نفي زوال نعيمهم المحكي في قوله تعالى: أولئك لهم رزق معلوم الآيات، فإن زوال النعيم نوع من العذاب، بل هو من أعظم أنواعه، بل تصور الزوال عذاب أيضا لا يلذ معه عيش، ولذا قيل:


إذا شئت أن تحيا حياة هنية فلا تتخذ شيئا تخاف له فقدا



وكذا يتضمن نفي الهرم واختلال القوى الذي يوهمه نفي الموت، فإن ذلك نوع من العذاب أيضا، وأنه إنما اختير التعرض لاستمرار نفي العذاب دون إثبات استمرار النعيم؛ لأن نفي العذاب أسرع خطورا ببال من لم يعذب عند مشاهدة من يعذب، وقيل: إن ذاك لأن درء الضرر أهم من جلب المنفعة.

التالي السابق


الخدمات العلمية