صفحة جزء
سورة ص

مكية كما روي عن ابن عباس وغيره، وقيل: مدنية، وليس بصحيح كما قال الداني، وهي ثمان وثمانون آية في الكوفي، وست وثمانون في الحجازي، والبصري، والشامي، وخمس وثمانون في عد أيوب بن المتوكل وحده، قيل: ولم يقل أحد إن (ص) وحدها آية، كما قيل في غيرها من الحروف في أوائل السور، وفيه بحث، وهي كالمتممة لما قبلها من حيث إنه ذكر فيها، ما لم يذكر في تلك من الأنبياء - عليهم السلام - كداود وسليمان، ولما ذكر سبحانه فيما قبل عن الكفار أنهم قالوا: لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ، وأنهم كفروا بالذكر لما جاءهم، بدأ - عز وجل - في هذه السورة بالقرآن ذي الذكر، وفصل ما أجمل هناك من كفرهم، وفي ذلك من المناسبة ما فيه، ومن دقق النظر لاح له مناسبات أخر والله تعالى الموفق.

[ ص: 161 ] بسم الله الرحمن الرحيم ص بالسكون على الوقف عند الجمهور، وقرأ أبي والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو السمال ، وابن أبي عبلة ، ونصر بن عاصم "صاد" بكسر الدال، والظاهر أنه كسر لالتقاء الساكنين، وهو حرف من حروف المعجم نحو (ق) و(ن).

وأخرج ابن جرير ، عن الحسن أنه أمر من صادى أي عارض، ومنه الصدى، وهو ما يعارض الصوت الأول ويقابله بمثله في الأماكن الخالية والأجسام الصلبة العالية، والمعنى عارض القرآن بعملك أي اعمل بأوامره ونواهيه، وقال عبد الوهاب: أي اعرضه على عملك، فانظر أين عملك من القرآن، وقيل: هو أمر من صادى أي حادث، والمعنى حادث القرآن، وهو رواية عن الحسن أيضا، وله قرب من الأول. وقرأ عيسى ومحبوب عن أبي عمرو وفرقة "صاد" بفتح الدال، وكذا قرؤوا قاف ونون بالفتح فيهما، فقيل: هو لالتقاء الساكنين أيضا طلبا للخفة، وقيل: هو حركة إعراب على أن "صاد" منصوب بفعل مضمر، أي اذكر، أو اقرأ صاد، أو بفعل القسم بعد نزع الخافض لما فيه من معنى التعظيم المتعدي بنفسه، نحو: الله لأفعلن، أو مجرور بإضمار حرف القسم، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث بناء على أنه علم السورة، وقد ذكر الشريف أنه إذا اشتهر مسمى بإطلاق لفظ عليه يلاحظ المسمى في ضمن ذلك اللفظ، وأنه بهذا الاعتبار يصح اعتبار التأنيث في الاسم، وقرأ ابن أبي إسحاق في رواية "صاد" بالجر والتنوين، وذلك إما لأن الثلاثي الساكن الوسط يجوز صرفه بل قيل: إنه الأرجح، وإما لاعتبار ذلك اسما للقرآن، كما هو أحد الاحتمالات فيه، فلم يتحقق فيه العلتان، فوجب صرفه، والقول بأن ذاك لكونه علما لمعنى السورة لا للفظها، فلا تأنيث فيه مع العلمية، ليكون هناك علتان لا يخلو عن دغدغة. وقرأ ابن السميقع وهارون، الأعور، والحسن في رواية "صاد" بضم الدال، وكأنه اعتبر اسما للسورة، وجعل خبر مبتدإ محذوف، أي هذه صاد، ولهم في معناه غير متقيدين بقراءة الجمهور اختلاف، كأضرابه من أوائل السور، فأخرج عبد بن حميد ، عن أبي صالح قال: سئل جابر بن عبد الله، وابن عباس عن "ص" فقالا: ما ندري ما هو، وهو مذهب كثير في نظائره، وقال عكرمة: سأل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن "ص" فقال: ص كان بحرا بمكة ، وكان عليه عرش الرحمن، إذ لا ليل، ولا نهار.

وقال ابن جبير: هو بحر يحيي الله تعالى به الموتى بين النفختين، والله تعالى أعلم بصحة هذين الخبرين.

وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك قال: ص صدق الله، وأخرج ابن مردويه عنه أنه قال: ص، يقول: إني أنا الله الصادق، وقال محمد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله تعالى، صمد وصانع المصنوعات، وصادق الوعد.

وقيل: هو إشارة إلى صدود الكفار عن القرآن. وقيل: حرف مسرود على منهاج التحدي، وجنح إليه غير واحد من أرباب التحقيق، وقيل: اسم للسورة، وإليه ذهب الخليل وسيبويه، والأكثرون، وقيل: اسم للقرآن، وقيل: غير ذلك باعتبار بعض القراءات كما سمعت عن قريب، ومن الغريب أن المعنى صاد محمد صلى الله عليه وسلم قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به، ولعل القائل به اعتبره فعلا ماضيا مفتوح الآخر أو ساكنه للوقف، وأنا لا أقول به، ولا أرتضيه وجها، وهو على بعض هذه الأوجه لا حظ له من الإعراب، وعلى بعضها يجوز أن يكون مقسما به، ومفعولا لمضمر، وخبر مبتدإ محذوف، وعلى بعضها يتعين كونه مقسما به، وعلى بعض ما تقدم في القراءات يتأتى ما يتأتى مما لا يخفى عليك، وبالجملة، إن لم يعتبر مقسما به، فالواو في قوله سبحانه: والقرآن ذي الذكر للقسم، وإن اعتبر [ ص: 162 ] 162 مقسما به، فهي للعطف عليه، لكن إذا كان قسما منصوبا على الحذف، والإيصال يكون العطف عليه باعتبار المعنى والأصل، ثم المغايرة بينهما قد تكون حقيقية، كما إذا أريد بالقرآن كله وبـ (ص) السورة، أو بالعكس، أو أريد بـ(ص) البحر الذي قيل به فيما مر، وبالقرآن كله، أو بالسورة، وقد تكون اعتبارية كما إذا أريد بكل السورة أو القرآن على ما قيل، ولا يخفى ما تقتضيه الجزالة الخالية عن التكلف.

وضعف جعل الواو للقسم أيضا بناء على قول جمع: أن توارد قسمين على مقسم عليه واحد ضعيف، والذكر كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس الشرف، ومنه قوله - تعالى - : وإنه لذكر لك ولقومك ، أو الذكرى والموعظة للناس على ما روي عن قتادة والضحاك ، أو ذكر ما يحتاج إليه في أمر الدين من الشرائع والأحكام، وغيرها من أقاصيص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأخبار الأمم الدارجة، والوعد والوعيد على ما قيل، وجواب القسم قيل مذكور، فقال الكوفيون والزجاج هو قوله - تعالى - : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ، وتعقبه الفراء بقوله: لا نجده مستقيما لتأخر ذلك جدا عن القسم، وقال الأخفش : هو: إن كل إلا كذب الرسل ، وقال قوم: كم أهلكنا من قبلهم من قرن ، وحذفت اللام أي لكم لما طال الكلام كما حذفت من قد أفلح ، بعد قوله تعالى: " والشمس " ، حكاه الفراء وثعلب، وتعقبه الطبرسي بأنه غلط، لأن اللام لا تدخل على المفعول، " وكم " مفعول.

وقال أبو حيان : إن هذه الأقوال يجب اطراحها، ونقل السمرقندي عن بعضهم أنه: بل الذين كفروا إلخ، فإن بل لنفي ما قبله، وإثبات ما بعده، فمعناه ليس الذين كفروا إلا في عزة وشقاق.

وجوز أن يريد هذا القائل أن بل زائدة في الجواب، أو ربط بها الجواب لتجريدها لمعنى الإثبات، وقيل: هو صاد إذ معناه صدق الله تعالى أو صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ونسب ذلك إلى الفراء وثعلب، وهو مبني على جواز تقدم جواب القسم واعتقاد أن (ص) تدل على ما ذكر، ومع هذا في كون (ص) نفسه هو الجواب خفاء، وقيل: هو جملة هذه صاد، على معنى السورة التي أعجزت العرب ، فكأنه: قيل هذه السورة التي أعجزت العرب ، والقرآن ذي الذكر، وهذا كما تقول: هذا حاتم والله، تريد هذا هو المشهور بالسخاء والله، وهو مبني على جواز التقدم أيضا، وقيل: هو محذوف، فقدره الحوفي: لقد جاءكم الحق، ونحوه، وابن عطية: ما الأمر كما تزعمون، ونحوه، وقدره بعض المحققين: ما كفر من كفر لخلل وجده ودل عليه بقوله تعالى: بل الذين إلخ، وآخر: إنه لمعجز، ودل عليه ما في (ص) من الدلالة على التحدي بناء على أنه اسم حرف من حروف المعجم، ذكر على سبيل التحدي، والتنبيه على الإعجاز، أو ما في: أقسم بـ(ص)، أو هذه (ص)، من الدلالة على ذلك بناء على أنه اسم للسورة، أو أنه لواجب العمل به، دل عليه (ص) بناء على كونه أمرا من المصاداة، وقدره بعضهم غير ذلك، وفي البحر: ينبغي أن يقدر هنا ما أثبت جوابا للقسم بالقرآن في قوله تعالى: يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين .

ويقوي هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله تعالى: وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وهناك في قوله سبحانه: " لتنذر قوما " ، فالرسالة تتضمن النذارة والبشارة.

التالي السابق


الخدمات العلمية