صفحة جزء
سورة المؤمن

وتسمى سورة غافر وسورة الطول ، وهي كما روي عن ابن عباس وابن الزبير ومسروق وسمرة بن جندب مكية ، وحكى أبو حيان الإجماع على ذلك ، وعن الحسن أنها مكية إلا قوله تعالى : وسبح بحمد ربك [غافر : 55] لأن الصلوات نزلت بالمدينة وكانت الصلاة بمكة ركعتين من غير توقيت . وأنت تعلم أن الحق قول الأكثرين : إن الخمس نزلت بمكة على أنه لا يتعين إرادة الصلاة بالتسبيح في الآية ، وقيل : هي مكية إلا قوله تعالى : إن الذين يجادلون [غافر : 35] الآية فإنها مدنية ، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية وغيره أنها نزلت في اليهود لما ذكروا الدجال ، وهذا ليس بنص على أنها نزلت بالمدينة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قولهم نزلت الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول : عني بهذه الآية كذا ، وقال الزركشي في البرهان : قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال : نزلت الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع . نعم سيأتي إن شاء الله تعالى عن أبي العالية ما هو كالنص على ذلك .

وآيها خمس وثمانون في الكوفي والشامي ، وأربع في الحجازي ، واثنتان في البصري ، وقيل : ست وثمانون ، وقيل : ثمان وثمانون ، ووجه مناسبة أولها لآخر الزمر أنه تعالى لما ذكر سبحانه هناك ما يؤول إليه حال الكافر وحال المؤمن ذكر جل وعلا هنا أنه تعالى غافر الذنب وقابل التوب ليكون ذلك استدعاء للكافر إلى الإيمان والإقلاع عما هو فيه ، وبين السورتين أنفسهما أوجه من المناسبة ، ويكفي فيها أنه ذكر في كل من أحوال يوم القيامة وأحوال الكفرة فيه وهم في المحشر وفي النار ما ذكر ، وقد فصل في هذه من ذلك ما لم يفصل منه في تلك .

وفي تناسق الدرر وجه إيلاء الحواميم السبع لسورة الزمر تواخي المطالع في الافتتاح بتنزيل الكتاب . وفي مصحف ابن مسعود أول الزمر حم وتلك مناسبة جليلة ، ثم إن الحواميم ترتبت لاشتراكها في الافتتاح - بحم - وبذكر الكتاب وأنها مكية بل ورد عن ابن عباس وجابر بن زيد أنها نزلت عقب الزمر متتاليات كترتيبها في المصحف ، وورد في فضلها أخبار كثيرة ، أخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس قال : إن لكل شيء لبابا وإن لباب القرآن الحواميم .

وأخرج هو وابن الضريس وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : الحواميم ديباج القرآن . وأخرجه أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي عن أنس [ ص: 40 ] رضي الله تعالى عنه مرفوعا ، وأخرج الديلمي وابن مردويه عن سمرة بن جندب مرفوعا «الحواميم روضة من رياض الجنة » .

وأخرج محمد بن نصر والدارمي عن سعد بن إبراهيم قال : كن الحواميم يسمين العرائس . وأخرج ابن نصر وابن مردويه عن أنس بن مالك قال : «سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : إن الله تعالى أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني الراءات إلى الطواسين مكان الإنجيل وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي » .

وأخرج البيهقي في الشعب عن الخليل بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الحواميم سبع وأبواب جهنم سبع تجيء كل حم منها فتقف على باب من هذه الأبواب تقول : اللهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرؤني » وجاء في خصوص بعض آيات هذه السورة ما يدل على فضله .

أخرج الترمذي والبزار ومحمد بن نصر وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حم إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح » .

( بسم الله الرحمن الرحيم ) حم بتفخيم الألف وتسكين الميم ، وقرأ ابن عامر برواية ذكوان ، وحمزة والكسائي وأبو بكر بالإمالة الصريحة ، ونافع برواية ورش . وأبو عمرو بالإمالة بين بين ، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بفتح الميم على التحريم لالتقاء الساكنين بالفتحة للخفة كما في أين وكيف ، وجوز أن يكون ذلك نصبا بإضمار اقرأ ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه بمعنى السورة أو للعلمية وشبه العجمة لأن فاعيل ليس من أوزان أبنية العرب وإنما وجد ذلك في لغة العجم كقابيل وهابيل ، ونقل هذا عن سيبويه . وفي الكشف أن الأولى أن يعلل بالتعريف والتركيب .

وقرأ أبو السمال بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين كما في جير : والزهري برفعها والظاهر أنه إعراب فهو إما مبتدأ أو خبر مبتدأ محذوف ، والكلام في المراد به كالكلام في نظائره ، ويجمع على حواميم وحاميمات أما الثاني فقد أنشد فيه ابن عساكر في تاريخه :


هذا رسول الله في الخيرات جاء بياسين وحاميمات



وأما الأول فقد تقدم عدة أخبار فيه ولا أظن أن أحدا ينكر صحة جميعها أو يزعم أن لفظ حواميم فيها من تحريف الرواة الأعاجم وأيضا أنشد أبو عبيدة :


حلفت بالسبع الألى تطولت     وبمئين بعدها قد أمئيت
وبثمان ثنيت وكررت     وبالطواسين اللواتي تليت
وبالحواميم اللواتي سبعت     وبالمفصل التي قد فصلت



وذهب الجواليقي والحريري وابن الجوزي إلى أنه لا يقال حواميم ، وفي الصحاح عن الفراء أن قول العامة الحواميم ليس من كلام العرب ، وحكى صاحب زاد المسير عن شيخه أبي منصور اللغوي أن من الخطأ أن تقول :

قرأت الحواميم والصواب أن تقول قرأت آل حم ، وفي حديث ابن مسعود إذا وقعت في آل حم فقد وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن ، وعلى هذا قول الكميت بن زيد في الهاشميات :

[ ص: 41 ]

وجدنا لكم في آل حم آية     تأولها منا تقي ومعرب



والطواسين والطواسيم بالميم بدل النون كذلك عندهم ، وما سمعت يكفي في ردهم . نعم ما قالوه مسموع مقبول كالذي قلناه لكن ينبغي أن يعلم أن آل في قولهم آل حم كما قال الخفاجي ليس بمعنى الآل المشهور وهو الأهل بل هو لفظ يذكر قبل ما لا يصح تثنيته وجمعه من الأسماء المركبة ونحوها كتأبط شرا فإذا أرادوا تثنيته أو جمعه وهو جملة لا يتأتى فيها ذلك إذ لم يعهد مثله في كلام العرب زادوا قبله لفظة آل أو ذوا فيقال : جاءني آل تأبط شرا أو ذوا تأبط شرا أي الرجلان أو الرجال المسمون بهذا الاسم ، فآل حم بمعنى الحواميم وآل بمعنى ذو ، والمراد به ما يطلق عليه ويستعمل فيه هذا اللفظ وهو مجاز عن الصحبة المعنوية ، وفي كلام الرضي وغيره إشارة إلى هذا إلا أنهم لم يصرحوا بتفسيره فعليك بحفظه ، وحكي في الكشف أن الأولى أن يجمع بذوات حم أي دون حواميم أو حاميمات ومعناه السور المصحوبات بهذا اللفظ أعني حم .

التالي السابق


الخدمات العلمية