صفحة جزء
فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا قال مجاهد : شديدة السموم فهو من الصر بفتح الصاد بمعنى الحر ، وقال ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي : باردة تهلك بشدة بردها من الصر بكسر الصاد وهو البرد الذي يصر أي يجمع ظاهر جلد الإنسان ويقبضه والأول أنسب لديار العرب ، وقال السدي أيضا وأبو عبيدة وابن قتيبة والطبري وجماعة : مصوتة من صر يصر إذا صوت ، وقال ابن السكيت : صرصر يجوز أن يكون من الصرة وهي الصيحة ومنه فأقبلت امرأته في صرة [الذاريات : 29] وفي الحديث أنه تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا عليهم قدر حلقة الخاتم ولو فتحوا قدر منخر الثور لهلكت الدنيا ، وروي أنها كانت تحمل العير بأوقارها فترميهم في البحر في أيام نحسات جمع نحسة بكسر الحاء صفة مشبهة من نحس نحسا كعلم علما نقيض سعد سعدا .

وقرأ الحرميان وأبو عمرو والنخعي وعيسى والأعرج «نحسات » بسكون الحاء فاحتمل أن يكون مصدرا وصف به مبالغة ، واحتمل أن يكون صفة مخففا من فعل كصعب . وفي البحر تتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلا بسكون العين وإنما ذكروا فعلا بالكسر كفرح وأفعل كأحور وفعلان كشبعان وفاعلا كسالم ، وهو صفة ( أيام ) وجمع بالألف والتاء لأنه صفة لما لا يعقل ، والمراد بها مشائيم عليهم لما أنهم عذبوا فيها ، فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصين فيقال له سعد بالنسبة إلى من ينعم فيه ، ويقال له نحس بالنسبة إلى من يعذب ، وليس هذا مما يزعمه الناس من خصوصيات الأوقات ، لكن ذكر الكرماني في مناسكه عن ابن عباس أنه قال : الأيام كلها لله تعالى لكنه سبحانه خلق بعضها نحوسا وبعضها سعودا ، وتفسير نحسات بمشائيم مروي عن مجاهد وقتادة والسدي ، وقال الضحاك : أي شديدة البرد حتى كأن البرد عذاب لهم ، وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد :

[ ص: 113 ]

كأن سلافه مزجت بنحس



وقيل : نحسات ذوات غبار ، وإليه ذهب الجبائي ومنه قول الراجز :


قد اغتدى قبل طلوع الشمس     للصيد في يوم قليل النحس



يريد قليل الغبار ، وكانت هذه الأيام من آخر شباط وتسمى أيام العجوز ، وكانت فيما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء ، وروي ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء ، وقال السدي : أولها غداة يوم الأحد ، وقال الربيع بن أنس : يوم الجمعة لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا أضيف العذاب إلى الخزي وهو الذل على قصد وصفه به لقوله تعالى : ولعذاب الآخرة أخزى وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة ، فإنه يدل على أن ذل الكافر زاد حتى اتصف به عذابه كما قرر في قولهم : شعر شاعر ، وهذا في مقابلة استكبارهم وتعظمهم . وقرئ «لتذيقهم » بالتاء على أن الفاعل ضمير الريح أو الأيام النحسات وهم لا ينصرون بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية