صفحة جزء
والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون أي ينتقمون ممن بغى عليهم على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون، ومعنى الاختصاص أنهم الأخصاء بالانتصار وغيرهم يعدو ويتجاوز، ولا يراد أنهم ينتصرون ولا يغفرون ليتناقض هو والسابق، فكأنه وصفهم سبحانه بأنهم الأخصاء بالغفران لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول في غيرهم وإنهم الأخصاء بالانتصار على ما جوز لهم إن كافؤوا ولا يعتدون كغيرهم فهم محمودون في الحالتين بين حسن وأحسن مخصوصون بذلك من بين الناس، وقال غير واحد: إن كلا من الوصفين في محل وهو فيه محمود فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود ولفظ المغفرة مشعر به والانتصار من المخاصم المصر محمود، ولفظ الانتصار مشعر به ولو أوقعا على عكس ذلك كانا مذمومين وعلى هذا جاء قوله:


إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا     فوضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى



وقد يحمد كل ويذم باعتبارات أخر فلا تناقض أيضا سواء اتحد الموصوفان في الجملتين أو لا، وقال بعض المحققين: الأوجه أن لا يحمل الكلام على التخصيص بل على التقوى أي يفعلون المغفرة تارة والانتصار أخرى لا دائما للتناقض وليس بذاك، وعن النخعي أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق، وفيه إيماء إلى أن الانتصار من المخاصم المصر وإلا فلا إذلال للنفس بالعفو عن العاجز المعترف، ثم إن جملة (هم ينتصرون) من المبتدأ والخبر صلة الموصول (وإذا) ظرف (ينتصرون) وجوز كونها شرطية والجملة جواب الشرط وجملة الجواب والشرط هي الصلة. وتعقبه أبو حيان بما مر آنفا، وجوز أيضا كون (هم) فاعلا لمحذوف وهو كما سمعت في (وإذا ما غضبوا) إلخ. وقال الحوفي : يجوز جعل (هم) توكيدا لضمير (أصابهم) وفيه الفصل بين المؤكد والمؤكد بالفاعل ولعله لا يمتنع، ومع هذا فالوجه في الإعراب ما أشرنا إليه أولا

التالي السابق


الخدمات العلمية