صفحة جزء
ليقطع طرفا من الذين كفروا متعلق بقوله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وما بينهما تحقيق لحقيته وبيان لكيفية وقوعه ، وإلى ذلك ذهب جمع من المحققين وهو ظاهر على تقدير أن يجعل إذ تقول ظرفا لنصركم لا بدلا من ( إذ غدوت ) لئلا يفصل بأجنبي ، ولأنه كان يوم أحد .

والظاهر أن هذا في شأن بدر ، والمقصور على التعليل بما ذكر من البشرى والاطمئنان إنما هو الإمداد بالملائكة على الوجه المذكور ، فلا يقدح في تعليل أصل النصر بالقطع وما عطف عليه ، وجوز أن يتعلق بما تعلق به الخبر في قوله سبحانه : وما النصر إلا من عند الله على تقدير كونه عبارة عن النصر المعهود ، والمعلل بالبشارة والاطمئنان إنما هو الإمداد الصوري لا ما في ضمنه من النصر المعنوي الذي هو ملاك الأمر وعموده ، وقيل : هو متعلق بنفس الصبر ، واعترض عليه بأنه مع ما فيه من الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي هو الخبر مخل بسداد المعنى ، كيف لا ومعناه قصر النصر المخصوص المعلل بعلة معينة على الحصول من جهته تعالى ، وليس المراد [ ص: 49 ] إلا قصر حقيقة النصر كما في الأول ، أو النصر المعهود كما في الثاني على ذلك ، والقول بأنه متعلق بمحذوف ، والتقدير فعل ذلك التدبير ، أو أمدكم بالملائكة ليقطع منقطع عن القبول ، والقطع الإهلاك ، والمراد من الطرف طائفة منهم قيل : ولم يعبر عن تلك الطائفة بالوسط بل بالطرف لأن أطراف الشيء يتوصل بها إلى توهينه وإزالته ، وقيل : لأن الطرف أقرب إلى المؤمنين فهو كقوله تعالى : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وقيل : للإشارة إلى أنهم كانوا أشرافا ، ففي الأساس هو من أطراف العرب أي أشرافها ، ولعل إطلاق الأطراف على الأشراف لتقدمهم في السير ، ومن ذلك قالوا : الأطراف منازل الأشراف ، فلا يرد أن الوسط أيضا يشعر بالشرف ، فالمعنى ليهلك صناديد الذين كفروا ورؤساءهم المتقدمين فيهم بقتل وأسر ، وقد وقع ذلك في بدر كما قال الحسن والربيع وقتادة ، فقد قتل من أولئك سبعون وأسر سبعون ، واعتبار ذلك في أحد حيث قتل فيه ثمانية عشر رجلا من رؤسائهم قول لبعضهم ، وقد استبعدوه كما أشرنا إليه أو يكبتهم أي يخزيهم قاله قتادة والربيع ، ومنه قول ذي الرمة :


لم أنس من شجن لم أنس موقفنا في حيرة بين مسرور ومكبوت



وقال الجبائي والكلبي : أي يردهم منهزمين ، وقال السدي : أي يلعنهم وأصل الكبت الغيظ والغم المؤثر ، وقيل : صرع الشيء على وجهه ، وقيل : إن كبته يكون بمعنى كبده أي أصاب كبده كرآه بمعنى أصاب رئته ، ومنه قول المتنبي :


لأكبت حاسدا وأرى عدوا     كأنهما وداعك والرحيل



والآية محمولة على ذلك ، ويؤيد هذا القول أنه قرئ : أو يكبدهم ، وأو للتنويع دون الترديد لوقوع الأمرين فينقلبوا خائبين (127) أي فينهزموا منقطعي الآمال فالخيبة انقطاع الأمل ، وفرقوا بينها وبين اليأس بأن الخيبة لا تكون إلا بعد الأمل ، واليأس يكون بعده وقبله ، ونقيض الخيبة الظفر ، ونقيض اليأس الرجاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية