صفحة جزء
يؤفك عنه من أفك أي يصرف عن الإيمان بما كلفوا الإيمان به لدلالة الكلام السابق عليه ، وقال الحسن وقتادة : عن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقال غير واحد : عن القرآن ، والكلام السابق مشعر بكل من صرف الصرفالذي لا أشد منه وأعظم ، ووجه المبالغة من إسناد الفعل إلى من وصف به فلولا غرض المبالغة لكان من توضيح الواضح فكأنه أثبت للمصروف صرف آخر حيث قيل : يصرف عنه [الأنعام : 16] المصروف فجاءت المبالغة من المضاعفة ثم الإطلاق في المقام الخطابي له مدخل في تقوية أمر المضاعفة وكذلك الإبهامالذي في الموصول ، وهو قريب من قوله تعالى : فغشيهم من اليم ما غشيهم [طه : 78] وقيل : المراد يصرف عنه في الوجود الخارجي من فصرف عنه [يوسف : 34] في علم الله تعالى وقضائه سبحانه، وتعقب بأنه ليس فيه كثير فائدة لأن كل ما هو كائن معلوم أنه ثابت في سابق علمه تعالى الأزلي وليس فيه المبالغة السابقة ، وأجيب عن الأول بأن فيه الإشارة إلى أن الحجة البالغة لله عز وجل في صرفه وكفى بذلك فائدة وهو مبني أن العلم تابع للمعلوم فافهمه ، وحكى الزهراوي أنه يجوز أن يكون الضمير لما ( توعدون ) أو - للدين - أقسم سبحانه - بالذاريات - على أن وقوع أمر القيامة حق ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه ، فمنهم شاك ، [ ص: 6 ] ومنهم جاحد ثم قال جل وعلا : يؤفك عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك ، وذكر ذلك الزمخشري ولم يعزه ، وادعى صاحب الكشف أنه أوجه لتلاؤم الكلام ، وقيل : يجوز أن يكون الضمير - لقول مختلف - وعن - للتعليل كما في قوله تعالى : وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك [هود : 53] وقوله :

ينهون عن أكل وعن شرب مثل المها يرتعن في خصب



أي يصرف بسبب ذلك القول المختلف من أراد الإسلام ، وقال الزمخشري : حقيقته يصدر إفكهم عن القول المختلف ، وهذا محتمل لبقاء - عن - على أصلها من المجاوزة واعتبار التضمين ، وفيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع مع ذهاب تلك المبالغة ، وجوز ابن عطية رجوع الضمير إلى القول إلا أنه قال : المعنى يصرف عن ذلك القول المختلف بتوفيق الله تعالى للإسلام من غلبت سعادته ، وتعقبه بأن فيه مخالفة للعرف فإن عرف الاستعمال في الإفك الصرف من خير إلى شر فلذلك لا تجده إلا في المذمومين ، ثم إن ذلك على كون الخطاب في أنكم للكفار - وهو الذي ذهب إليه ابن زيد وغيره - واستظهر أبو حيان كونه عاما للمسلم والكافر ، واستظهر العموم فيما سبق أيضا ، والقول المختلف حينئذ قول المسلمين بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقول الكفار بنقيض ذلك ، وقرأ ابن جبير وقتادة «من أفك » مبينا للفاعل أي من أفك الناس عنه وهم قريش ، وقرأ زيد بن علي - يأفك عنه من أفك - أي يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب ، وقرئ «يؤفن عنه من أفن » بالنون فيهما أي يحرمه من حرم من أفن الضرع إذا أنهكه حلبا

التالي السابق


الخدمات العلمية