ولمن خاف مقام ربه إلخ شروع في تعديد الآلاءالتي تفاض في الآخرة ، ( ومقام ) مصدر ميمي بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل أي 
ولمن خاف قيام ربه وكونه مهيمنا عليه مراقبا له حافظا لأحواله ، فالقيام هنا مثله في قوله تعالى : 
أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت  [الرعد : 33] وهذا مروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد   nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة  ، أو هو اسم مكان ، والمراد به مكان وقوف الخلق في يوم القيامة للحساب ، والإضافة إليه تعالى لامية اختصاصية لأن الملك له عز وجل وحده فيه بحسب نفس الأمر ، والظاهر والخلق قائمون له كما قال سبحانه : 
يقوم الناس لرب العالمين  [المطففين : 6] منتظرون ما يحل عليهم من قبله جل شأنه ، وزعم بعضهم أن الإضافة على هذا الوجه لأدنى ملابسة وليس بشيء ، وقيل : المعنى 
ولمن خاف مقامه عند ربه على أن المقام مصدر أو اسم مكان وهو للخائف نفسه ، وإضافته  
[ ص: 116 ] 
للرب لأنه عنده تعالى فهي مثلها في قولهم : شاة رقود الحلب ، وهي بمعنى - عند - عند الكوفيين أي رقود عند الحلب ، وبمعنى اللام عند الجمهور كما صرح به شراح التسهيل وليست لأدنى ملابسة كما زعم أيضا ، ثم إن المراد بالعندية هنا مما لا يخفى ، وجوزأن يكون مقحما على سبيل الكناية ، فالمراد ولمن خاف ربه لكن بطريق برهاني بليغ ، ومثله قول 
الشماخ   : 
ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين 
وهو الأظهر على ما ذكره صاحب الكشف ، والظاهر أن المراد ولكل فرد فرد من الخائفين : ( جنتان ) فقيل : 
إحداهما منزله ومحل زيارة أحبابه له ، والأخرى منزل أزواجه وخدمه ، وإليه ذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13980الجبائي  ، وقيل : بستانان بستان داخل قصره وبستان خارجه ، وقيل : منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته ، وأي هذا ممن يطوف بين النار ، وبين حميم آن ؟ ؟ . 
وجوز أن يقال : جنة لعقيدته وجنة لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه ، أو إحداهما روحانية والأخرى جسمانية ، ولا يخفى أن الصفات الآتية ظاهرة في الجسمانية . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل   : جنة عدن وجنة نعيم ، وقيل : المراد لكل خائفين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني ، فإن الخطاب للفريقين ، وهذا عندي خلاف الظاهر ، وفي الآثار ما يبعده ، فقد أخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي  في شعب الإيمان عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن  أنه كان شاب على عهد 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  رضي الله تعالى عنه ملازم للمسجد والعبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدثته نفسه بذلك فشهق شهقة فغشي عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال : يا عم انطلق إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  فأقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه ؟ فانطلق فأخبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  وقد شهق الفتى شهقة أخرى فمات فوقف عليه 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  رضي الله تعالى عنه فقال : لك جنتان لك جنتان . 
والخوف في الأصل توقع مكروه عند أمارة مظنونة أو معلومة ويضاده الأمن قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب   : والخوف من الله تعالى لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات ، ولذلك قيل : لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا ، ويؤيد هذا تفسير 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله تعالى عنهما الخائف هنا كما أخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  عنه بمن ركب طاعة الله تعالى وترك معصيته . 
وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد   : هو الرجل يريد الذنب فيذكر الله تعالى فيدع الذنب ، والذي يظهر أن ذلك تفسير باللازم ، وقد يقال : إن ارتكاب الذنب قد يجامع الخوف من الله تعالى وذلك كما إذا غلبته نفسه ففعله خائفا من عقابه تعالى عليه ، وأيد ذلك بما أخرجه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي   nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني  والحكيم الترمذي  في نوادر الأصول 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة  وجماعة عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء  nindex.php?page=hadith&LINKID=689174«أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ هذه الآية ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : الثانية ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ 
فقال الثالثة : ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال : نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء» وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني   nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه  من طريق 
الجريري  عن أخيه قال : سمعت 
محمد بن سعد  يقرأ - 
ولمن خاف مقام ربه جنتان  - وإن زنى وإن سرق - فقلت : ليس فيه وإن زنى وإنسرق  
[ ص: 117 ] 
فقال : سمعت 
أبا الدرداء  رضي الله تعالى عنه يقرؤها كذلك فأنا أقرؤها كذلك حتى أموت ، وصرح بعضهم أن المراد بالخوف في الآية أشده فتأمل . وجاء في شأن هاتين الجنتين من 
حديث 
عياض بن غنم  مرفوعا 
«إن عرض كل واحدة منهما مسيرة مائة عام » والآية على ما روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير  وابن شوذب  نزلت في 
 nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر   . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم   nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ  في العظمة عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  أن 
أبا بكر الصديق  رضي الله تعالى عنه ذكر ذات يوم وفكر في القيامة والموازين والجنة والنار وصفوف الملائكة وطي السماوات ونسف الجبال وتكوير الشمس وانتثار الكواكب فقال : وددت أني كنت خضرا من هذه الخضر تأتي علي بهيمة فتأكلني وأني لم أخلق فنزلت 
ولمن خاف مقام ربه جنتان