صفحة جزء
إنما النجوى المعهودة التي هي التناجي بالإثم والعدوان والمعصية من الشيطان لا من غيره باعتبار أنه هو المزين لها والحامل عليها ، وقوله تعالى : ليحزن الذين آمنوا خبر آخر أي إنما هي ليحزن المؤمنين بتوهمهم أنها في نكبة أصابتهم ، وقرئ «ليحزن » بفتح الياء والزاي - فالذين - فاعل وليس بضارهم أي ليس الشيطان أو التناجي بضار المؤمنين شيئا من الأشياء أو شيئا من الضرر إلا بإذن الله أي إلا بإرادته ومشيئته عز وجل ، وذلك بأن يقضي سبحانه الموت أو الغلبة على أقاربهم وعلى الله فليتوكل المؤمنون ولا يبالوا بنجواهم .

وحاصله أن ما يتناجى المنافقون به مما يحزن المؤمنين إن وقع فبإرادة الله تعالى ومشيئته لا دخل لهم فيه فلا يكترث المؤمنون بتناجيهم وليتوكلوا على الله عز وجل ولا يحزنوا منه ، فهذا الكلام لإزالة حزنهم ، ومنه ضعف ما أشار إليه الزمخشري من جواز أن يرجع ضمير - ليس بضارهم - للحزن ، وأجيب بأن المقصود يحصل عليه أيضا فإنه إذا قيل : إن هذا الحزن لا يضرهم إلا بإرادة الله تعالى اندفع حزنهم ، هذا ومن الغريب ما قيل : إن الآية نازلة في المنامات التي يراها المؤمن في النوم تسوؤه ويحزن منها فكأنها نجوى يناجى بها ، وهذا على ما فيه لا يناسب السباق والسياق كما لا يخفى ، ثم إن التناجي بين المؤمنين قد يكون منهيا عنه ، فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه » ومثل التناجي في ذلك أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث إن كان يحزنه ذلك ،

التالي السابق


الخدمات العلمية