صفحة جزء
للفقراء المهاجرين قال الزمخشري : بدل من قوله تعالى : " لذي القربى " والمعطوف عليه ، والذي منع الإبدال من فلله وللرسول وما بعد وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله عز وجل أخرج رسوله عليه الصلاة والسلام من الفقراء في قوله سبحانه : وينصرون الله ورسوله وأنه يترفع برسول الله عليه الصلاة والسلام عن التسمية بالفقير ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل ، وهذا كما لا يجوز أن يوصف سبحانه بعلامة لأجل التأنيث لفظا لأن فيه سوء أدب . انتهى .

وعني أنه بدل كل من كل لاعتبار المبدل منه مجموع ما ذكر ، قال الإمام : فكأنه قيل : أعني بأولئك الأربعة هؤلاء الفقراء والمهاجرين ، وما ذكر من الإبدال من " لذي القربى " وما بعده مبني على قوله الحنفية إنه لا يعطى الغني من ذوي القربى وإنما يعطى الفقير ، ومن يرى كالشافعي أنه يعطى غنيهم كما يعطى فقيرهم خص [ ص: 51 ]

الإبدال باليتامى وما بعده ، وقيل : يجوز ذلك أيضا إلا أنه يقول بتخصيصاعتبار الفقر بفيء بني النضير فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعط غنيا شيئا منه ، والآية نازلة فيه وفيه تعسف ظاهر .

وفي الكشف أن للفقراء ليس للقيد بل بيانا للواقع من حال المهاجرين وإثباتا لمزيد اختصاصهم كأنه قيل : لله وللرسول وللمهاجرين ، وقال ابن عطية : للفقراء إلخ بيان لقوله تعالى : " اليتامى والمساكين وابن السبيل " وكررت لام الجر لما كان ما تقدم مجرورا بها لتبيين أن البدل هو منها ، وقيل : اللام متعلقة بما دل عليه قوله تعالى : كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم كأنه قيل : ولكن يكون للفقراء المهاجرين .

وسيأتي إن شاء الله تعالى ما خطر لنا في ذلك من الاحتمال بناء على ما يفهم من ظاهر كلام عمر بن الخطاب بمحضر جمع من الأصحاب الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم حيث اضطرهم كفار مكة وأحوجوهم إلى الخروج فخرجوا منها ، وهذا وصف باعتبار الغالب ، وقيل : كان هؤلاء مائة رجل يبتغون فضلا من الله ورضوانا أي طالبين منه تعالى رزقا في الدنيا ومرضاة في الآخرة ، وصفوا أولا بما يدل على استحقاقهم للفيء من الإخراج من الديار والأموال ، وقيد ذلك ثانيا بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده مما يدل على توكلهم التام ورضاهم بما قدره المليك العلام وينصرون الله ورسوله عطف على يبتغون فهي حال مقدرة أي ناوين لنصرة الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم أو مقارنة فإن خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين إلى المدينة نصرة وأي نصرة أولئك الموصوفون بما ذكر من الصفات الجليلة هم الصادقون أي الكاملون في الصدق في دعواهم الإيمان حيث فعلوا ما يدل أقوى دلالة عليه مع إخراجهم من أوطانهم وأموالهم لأجله لا غيرهم ممن آمن في مكة ولم يخرج من داره وماله ، ولم يثبت منه نحو ما ثبت منهم لنحو لين منه مع المشركين فالحصر إضافي ووجه بغير ذلك . وحمل بعضهم الكلام على العموم لحذف متعلق الصدق وتمسك به لذلك في الاستدلال على صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لأن هؤلاء المهاجرين كانوا يدعونه بخليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، والله تعالى قد شهد بصدقهم فلا بد أن تكون إمامته رضي الله تعالى عنه صحيحة ثابتة في نفس الأمر وهو تمسك ضعيف مستغنية عن مثله دعوى صحة خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه بإجماع الصحابة ، ومنهم علي كرم الله تعالى وجهه ، ونسبة التقية إليه بالموافقة لا يوافق الشيعة عليها متق كدعوى الإكراه بل مستغنية بغير ذلك أيضا

التالي السابق


الخدمات العلمية