صفحة جزء
والله يريد أن يتوب عليكم جعله بعضهم تكرارا لما تقدم؛ للتأكيد والمبالغة، وهو ظاهر إذا كان المراد من التوبة هناك وهنا شيئا واحدا، وأما إذا فسر (يتوب) أولا بقبول التوبة والإرشاد مثلا، وثانيا بأن يفعلوا ما يستوجبون به القبول فلا يكون تكرارا، وأيضا إنما يتمشى ذلك على كون (ليبين لكم) مفعولا، وإلا فلا تكرار أيضا؛ لأن تعلق الإرادة بالتوبة في الأول على جهة العلية، وفي الثاني على جهة المفعولية، وبذلك يحصل الاختلاف لا محالة.

ويريد الذين يتبعون الشهوات يعني الفسقة؛ لأنهم يدورون مع شهوات أنفسهم من غير تحاش عنها، فكأنهم بانهماكهم فيها أمرتهم الشهوات باتباعها فامتثلوا أمرها واتبعوها، فهو استعارة تمثيلية، وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له لا لها.

وروي هذا عن ابن زيد، وأخرج مجاهد، عن ابن عباس: أنهم الزناة، وأخرج ابن جرير، عن السدي: أنهم اليهود والنصارى، وقيل: إنهم اليهود خاصة؛ حيث زعموا أن الأخت من الأب حلال في التوراة، وقيل: إنهم المجوس؛ حيث كانوا يحلون الأخوات لأب؛ لأنهم لم يجمعهم رحم، وبنات الأخ والأخت قياسا على بنات العمة والخالة بجامع أن أمهما لا تحل، فكانوا يريدون أن يضلوا المؤمنين بما ذكر، ويقولون: لم جوزتم تلك ولم تجوزوا هذه؟! فنزلت، وغوير بين الجملتين؛ ليفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة الزائغين أن تميلوا عن الحق بموافقتهم، فتكونوا مثلهم، وعن مجاهد: أن تزنوا كما يزنون.

وقرئ بالياء التحتانية، فالضمير حينئذ للذين يتبعون الشهوات ميلا عظيما بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندرة، واعترف بأنها خطيئة، ولم يستحل.

التالي السابق


الخدمات العلمية