صفحة جزء
ولا يخاف أي الرب عز وجل: عقباها أي: عاقبتها وتبعتها كما يخاف المعاقبون من الملوك عاقبة ما يفعلونه وتبعته. وهو استعارة تمثيلية لإهانتهم وأنهم أذلاء عند الله جل جلاله، والواو للحال أو للاستئناف، وجوز أن يكون ضمير لا يخاف للرسول والواو للاستئناف لا غير على ما هو الظاهر، أي: ولا يخاف الرسول عقبى هذه الفعلة بهم؛ إذ كان قد أنذرهم وحذرهم. وقال السدي والضحاك ومقاتل والزجاج وأبو علي: الواو للحال، والضمير عائد على «أشقاها» أي انبعث لعقرها وهو لا يخاف عقبى فعله لكفره وطغيانه وهو أبعد مما قبله بكثير.

وقرأ أبي والأعرج ونافع وابن عامر: «فلا يخاف» بالفاء وقرئ «ولم يخف» بواو وفعل مجزوم بلم. هذا واختلف في هؤلاء القوم؛ هل آمنوا ثم كفروا أو لم يؤمنوا أصلا فالجمهور على الثاني، وذهب بعض إلى أنهم آمنوا وبايعوا صالحا مدة ثم كذبوه وكفروا فأهلكوا بما فصل في موضع آخر.

وقال الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره في فصوصه: إنهم وقوم لوط عليه السلام لا نجاة لهم يوم القيامة بوجه من الوجوه ولم يساو غيرهم من الأمم المكذبة المهلكة في الدنيا كقوم نوح عليه السلام بهم. ولكلامه قدس سره أهل يفهمونه فارجع إليهم في فهمه إن وجدتهم.

وذكر بعض أهل التأويل أن «الشمس» إشارة إلى ذات واجب الوجود سبحانه وتعالى. و «ضحاها» إشارة إلى الحقيقة المحمدية و «القمر» إشارة إلى ماهية الممكن المستفيدة للوجود من شمس الذات. و «النهار» إشارة إلى العالم بسائر أنواعه الذي ظهرت به صفات جمال الذات وجلاله وكماله و «الليل» إشارة إلى العالم بسائر أنواعه الذي ظهرت به صفات جمال الذات وجلاله وكماله. و «الليل» إلى وجود ما يشاهد من أنواع الممكنات الساتر في أعين المحجوبين للوجود الحق. و «السماء» إشارة إلى عالم العقل. و «الأرض» إشارة إلى عالم الجسم، والنفس معلومة. و «ناقة الله» إشارة إلى راحلة الشوق الموصولة إليه سبحانه، و «سقياها» إشارة إلى مشربها من عين الذكر والفكر، وقال بعض آخر: الشمس إشارة إلى الوجود الحق الذي هو عين الواجب تعالى؛ فهو أظهر من الشمس، الله نور السماوات والأرض. وقال شيخ مشايخنا البندنيجي قدس سره:

ظاهر أنت ولكن لا ترى لعيون حجبتها النقط



و «ضحاها» إشارة إلى أول التعينات بأي اسم سميته و «القمر» إشارة إلى الأعيان الثابتة المفاضة بالفيض الأقدس أو «الشمس» إشارة إلى الذات و «ضحاها» إشارة إلى وجودها والإضافة للتغاير الاعتباري. و «القمر» إشارة إلى أول التعينات و «النهار» إشارة إلى الممكنات المفاضة بالفيض المقدس و «الليل» إشارة إليها أيضا باعتبار نظر المحجوبين أو النهار إشارة إلى صفة الجمال، والليل إشارة إلى صفة القهر والجلال. و «السماء» إشارة إلى عالم اللطافة، وذكر النفس بعد مع دخولها في هذا العالم للاعتناء بشأنها و «الأرض» إشارة إلى عالم الكثافة. و «ناقة الله» إشارة إلى الطريقة و «سقياها» [ ص: 147 ] مشربها من عين الشريعة. وقيل غير ذلك. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

التالي السابق


الخدمات العلمية