[ ص: 173 ] سورة والتين 
ويقال لها سورة التين بلا واو، مكية في قول الجمهور. وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة  أنها مدنية وكذا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  على ما في البحر ومجمع البيان برواية المعدل. 
وأخرج عنه 
ابن الضريس  والنحاس   nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه   nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي  ما يوافق قول الجمهور، ويؤيده إشارة الحضور في قوله تعالى: 
وهذا البلد الأمين فإن المراد به 
مكة  بإجماع المفسرين فيما نعلم. وآيها ثماني آيات في قولهم جميعا. ولما ذكر سبحانه في السورة السابقة حال أكمل النوع الإنساني بالاتفاق بل أكمل خلق الله عز وجل على الإطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر عز وجل في هذه السورة حال النوع وما ينتهي إليه أمره وما أعد سبحانه لمن آمن منه بذلك الفرد الأكمل وفخر هذا النوع المفضل صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وعظم وكرم فقال عز قائلا: 
بسم الله الرحمن الرحيم 
والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين إقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إليه كثير، فأما البلد الأمين 
فمكة  حماها الله تعالى بلا خلاف. وجاء في حديث مرفوع: 
«وهو مكان البيت الذي هو هدى للعالمين». ومولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومبعثه و «الأمين» فعيل إما بمعنى فاعل؛ أي الآمن من أمن الرجل - بضم الميم - أمانة فهو أمين، وجاء أمان أيضا كما جاء كريم وكرام ولم يسمع آمن اسم فاعل، وسمع على معنى النسب كما في قوله تعالى: ( 
حرما آمنا  ) بمعنى ذي أمن، وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه، ففيه تشبيه بالرجل الأمين، وإما بمعنى مفعول أي المأمون من أمنه أي: لم يخفه. 
ونسبته إلى البلد مجازية، والمأمون حقيقة الناس؛ أي: لا تخاف غوائلهم فيه أو الكلام على الحذف والإيصال أي المأمون فيه من الغوائل، وإقحام اسم الإشارة للتعظيم. 
وأما (طور سينين) فالجبل الذي كلم الله تعالى شأنه 
موسى  عليه السلام ويقال له طور سيناء - بكسر السين والمد وبفتحها والمد - وقد قرأ بالأول هنا بدل 
سينين  nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  وعبد الله   nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة   nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن  وبالثاني 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  أيضا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي  و «طور سينين» بفتح السين وهي لغة 
بكر  وتميم.  وقد قرأ بها 
ابن أبي إسحاق  وعمرو بن ميمون   nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء،  وفي البحر أنه لم يختلف في أنه جبل بالشام وتعقبه الشهاب بأنه خلاف المشهور؛ فإن المعروف اليوم بطور سينا ما هو بقرب التيه بين 
مصر  والعقبة.  و «سينين» قيل: اسم للبقعة التي فيها الجبل أضيف إليه الطور ويعامل في الإعراب معاملة بيرون ونحوه فيعرب بالواو والياء ويقر على الياء وتحرك النون بحركات الإعراب. 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش  سينين جمع بمعنى شجر واحدته سينة، فكأنه قيل: طور الأشجار. 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم   nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر   nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنه قال: 
سينين هو الحسن. 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد  نحوه عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك  وكذلك أخرج هو وجماعة عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة  بزيادة: بلسان 
الحبشة.  وأخرج هو أيضا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير   nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر  وغيرهما عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة  أنه قال: سينين مبارك حسن ذو شجر، والإضافة على ما ذكر من إضافة الصفة إلى الموصوف. وأما ( التين والزيتون ) فروى جماعة عن 
قتادة  أن الأول منهما الجبل الذي عليه 
دمشق،  والثاني الجبل الذي عليه 
بيت المقدس.  ويقال على ما أخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور   nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم  عن 
أبي حبيب الحارث بن محمد  للأول: طور تينا، وللثاني طور زيتا، وذلك لأنهما منبتا التين والزيتون، وكان الكلام على هذا إما على حذف مضاف أو على التجوز؛ بأن يكون قد تجوز التين والزيتون عن منبتيهما وشاع ذلك. وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد  عن 
أبي عبد الله الفارسي  أن التين 
مسجد دمشق  والزيتون 
بيت المقدس،  ولعل إطلاقهما عليهما لأن فيهما شجرا من جنسهما. وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار  أنهما 
دمشق  وإيلياء  بلد 
بيت المقدس  وكأن تسميتها بذلك من تسمية المحل باسم الحال فيه. وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد،   nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب  أنهما  
[ ص: 174 ] مسجد أصحاب الكهف  ومسجد إيلياء.  
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير   nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنهما 
مسجد نوح عليه السلام  الذي بني على 
الجودي  وبيت المقدس.  وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب  أنهما 
الكوفة  والشام،  وتعقب بأن 
الكوفة  بلدة إسلامية مصرها 
 nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص  في أيام 
 nindex.php?page=showalam&ids=2أمير المؤمنين عمر  رضي الله تعالى عنه، ولعله أراد الأرض التي تسمى اليوم 
بالكوفة؛  فقد كانت كما في القاموس وغيره منزل 
نوح  عليه السلام. وقال بعضهم: إن 
الكوفة  بلد كانت قبل لكنها خربت فجددت في أيام 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  رضي الله تعالى عنه، وقيل: هما جبال ما بين 
حلوان  وهمذان  وجبال 
الشام؛  لأنهما منابتهما وأيا ما كان فالمتعاطفات متناسبة في أن المراد بها أماكن مخصوصة. وقيل: المراد بهما الشجران المعروفان. 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم   nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم  وصححه عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنه قال: «التين والزيتون» الفاكهة التي يأكلها الناس. 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير   nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر  وغيرهما عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد  نحوه، وحكاه في البحر أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي  وعطاء بن أبي رباح  وجابر بن زيد   nindex.php?page=showalam&ids=17131ومقاتل   nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي   nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة   nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن  وخصهما الله تعالى على هذا القول بالإقسام بهما من بين الثمار لاختصاصهما بخواص جليلة، فإن التين فاكهة طيبة لا فضل لها، وغذاء لطيف سريع الانهضام، بل قيل: إنه أصح الفواكه غذاء إذا أكل على الخلاء ولم يتبع بشيء، وهو دواء كثير النفع يفتح السدد، ويقوي الكبد ويذهب الطحال وعسر البول وهزال الكلى والخفقان والربو وعسر النفس والسعال وأوجاع الصدر وخشونة القصبة إلى غير ذلك. وعن 
علي الرضا بن موسى الكاظم  على جدهما وعليهما السلام أنه يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج. 
وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر  أنه 
أهدي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: «كلوا، فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه؛ لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس». 
ولم أقف للمحدثين على شيء في هذا الحديث، لكن قال 
داود الطبيب  بعد سرد نبذة من خواص التين وفي نفعه من البواسير؛ حديث حسن، وذكر أن نفعه من النقرس إذا دق مع دقيق الشعير أو القمح أو الحلبة، وذكر أنه حينئذ ينفع من الأورام الغليظة وأوجاع المفاصل وله مفردا ومركبا خواص أخرى كثيرة، وكذا لشجرته كما لا يخفى على من راجع كتب الطب وما أشبه شجرته بمؤثر على نفسه وبكريم يفعل ولا يقول. وأما الزيتون فهو إدام ودواء وفاكهة فيما قيل، وقالوا: إن المكلس منه لا شيء مثله في الهضم والتسمين وتقوية الأعضاء ويكفيه فضلا دهنه الذي عم الاصطباح به في المساجد ونحوها مع ما فيه من المنافع كتحسين الألوان وتصفية الأخلاط وشد الأعصاب وكفتح السدد وإخراج الدود والإدرار وتفتيت الحصى وإصلاح الكلى شربا بالماء الحار وكقلع البياض وتقوية البصر اكتحالا إلى غير ذلك، وشجرته من الشجرة المباركة المشهود لها في التنزيل، وإذا تتبعت خواص أجزائها ظهر لك أنها أجدى من تفاريق العصا. 
nindex.php?page=hadith&LINKID=907616وعن  nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل  أنه مر بشجرة زيتون فأخذ منها سواكا فاستاك به وقال: سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة». وسمعته عليه الصلاة والسلام يقول: 
nindex.php?page=hadith&LINKID=907616«هو سواكي وسواك الأنبياء عليهم السلام قبلي». 
وقال بعضهم: إن تفسيرهما بما ذكر هو الصحيح، وكأن المراد عليه تين تلك الأماكن المقدسة وزيتونها، والغرض من القسم بتلك الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة، ويرجع إلى القسم بالأرض المباركة وبالبلد الأمين، وفيه رمز إلى فضل البلد كما يشعر به كلام صاحب الكشاف وبين ذلك في الكشف بقوله: 
وذلك أنه فصل بركتي الأرض المقدسة الدنيوية والدينية بذكر الشجرتين أو تمرتيهما، والطور الذي نودي منه 
موسى  عليه السلام وناب المجموع مناب والأرض المباركة على سبيل الكناية، فظهر التناسب في العطف على وجه بين؛ إذ عطف البلد على مجموع الثلاثة؛ لأنها  
[ ص: 175 ] كالفرد بهذا الاعتبار كأنه قيل: والأرض التي باركنا فيها دينا ودنيا، والبلد الآمن من دخله في الدارين وذلك بركة يتضاءل دونها كل بركة، ويتضمن ذلك أن شرف تلك البقاع بمناجاة موسى عليه السلام ربه عز وجل أياما معدودة، وكم نوجيت في البلد الأمين ثم قال: والحمل على الظاهر أريد المنابت أو الشجر أن يفوته المناسبة بين الأولين والبلد الأمين؛ لأن مناسبة طور سينين للبلد غير مناسبته لهما، والكلام مسوق للأول. انتهى. فتأمل؛ فإنه دقيق. 
وأيا ما كان فجواب القسم.