صفحة جزء
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم عطف على (يؤمنون) داخل معه في حكم وما يشعركم مقيد بما قيد به أي وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم عن إدراك الحق فلا يدركونه وأبصارهم عن اجتلائه فلا يبصرونه. وهذا -على ما قال الإمام- تقرير لما في الآية الأولى من أنهم لا يؤمنون. وذكر شيخ الإسلام أن هذا التقليب ليس من توجه الأفئدة والأبصار إلى الحق واستعدادها له بل لكمال نبوها عنه وإعراضها بالكلية؛ ولذلك أخر ذكره عن ذكر عدم إيمانهم إشعارا بأصالتهم في الكفر وحسما لتوهم أن عدم إيمانهم ناشئ من تقليبه تعالى مشاعرهم بطريق الإجبار. وتحقيقه على ما ذكره شيخ مشايخنا الكوراني أنه سبحانه حيث علم في الأزل سوء استعدادهم المخبوء في ماهياتهم أفاض عليهم ما يقتضيه وفعل بهم ما سألوه بلسان الاستعداد بعد أن رغبهم ورهبهم وأقام الحجة وأوضح المحجة ولله تعالى الحجة البالغة وما ظلمهم الله سبحانه ولكن كانوا هم الظالمين كما لم يؤمنوا به أي بما جاء من الآيات بالله تعالى، وقيل : بالقرآن، وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن لم يجر لذلك ذكر، وقيل : بالتقليب، وهو كما ترى

أول مرة أي عند ورود الآيات السابقة، والكاف في موضع النعت لمصدر منصوب بـ (لا يؤمنون) . و"ما" مصدرية أي: لا يؤمنون بل يكفرون كفرا كائنا ككفرهم أول مرة. وتوسيط تقليب الأفئدة والأبصار لأنه من متممات عدم إيمانهم. وقال أبو البقاء : أن الكاف نعت لمصدر محذوف أي تقليبا ككفرهم أي عقوبة مساوية لمعصيتهم أول مرة، ولا يخفى ما فيه. والآية ظاهرة في أن الإيمان والكفر بقضاء الله تعالى وقدره

وأجاب الكعبي عنها بأن المراد من ونقلب إلخ: أنا لا نفعل بهم ما نفعله بالمؤمنين من الفوائد والألطاف من حيث أخرجوا أنفسهم عن هذا الحد بسبب كفرهم. والقاضي بأن المراد: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في الآيات التي ظهرت فلا نجدهم يؤمنون بها آخرا كما لم يؤمنوا بها أولا. والجبائي بأن المراد: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في جهنم على لهب النار وجمرها لنعذبهم كما لم يؤمنوا به أول مرة في الدنيا. والكل كسراب بقيعة [ ص: 256 ] يحسبه الظمآن ماء، وهكذا غالب كلام المعتزلة ونذرهم أي ندعهم في طغيانهم أي تجاوزهم الحد في العصيان يعمهون

110

- أي يترددون متحيرين وهذا عطف على يؤمنون مقيد بما قيد به أيضا مبين لما هو المراد بتقليب الأفئدة والأبصار معرب عن حقيقته بأنه ليس على ظاهره. والجار متعلق بما عنده. وجملة (يعمهون) في موضع الحال من الضمير المنصوب في (نذرهم) . وقرئ (يقلب. ويذر) على الغيبة والضمير لله عز وجل. وقرأ الأعمش (وتقلب) على البناء للمفعول وإسناده إلى أفئدتهم

التالي السابق


الخدمات العلمية