صفحة جزء
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون

قوله تعالى : ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج فيه خمسة أقاويل :

أحدها : أن الأنصار كانوا يتحرجون أن يؤاكلوا هؤلاء إذا دعوا إلى طعام فيقولون : الأعمى لا يبصر أطيب الطعام ، والأعرج لا يستطيع الزحام عند الطعام ، [ ص: 123 ] والمريض يضعف عن مشاركة الصحيح في الطعام . وكانوا يقولون : طعامهم مفرد ويرون أنه أفضل من أن يكونوا شركاء ، فأنزل الله هذه الآية فيهم ورفع الحرج عنهم في مؤاكلتهم ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، والكلبي .

الثاني : أنه ليس على هؤلاء من أهل الزمانة حرج أن يأكلوا من بيوت من سمى الله بعد هذا من أهاليهم ، قاله مجاهد .

الثالث : أنه كان المذكورون من أهل الزمانة يخلفون الأنصار في منازلهم إذا خرجوا بجهاد وكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص الله لهم في الأكل من بيوت من استخلفوهم فيها ، قاله الزهري .

الرابع : أنها نزلت في إسقاط الجهاد عمن ذكروا من أهل الزمانة .

الخامس : ليس على من ذكر من أهل الزمانة حرج إذا دعي إلى وليمة أن يأخذ معه قائده ، وهذا قول عبد الكريم .

ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : من أموال عيالكم وأزواجكم لأنهم في بيته .

الثاني : من بيوت أولادكم فنسب بيوت الأولاد إلى بيوت أنفسهم لقوله صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك ولذلك لم يذكر الله بيوت الأبناء حين ذكر بيوت الآباء والأقارب اكتفاء بهذا الذكر .

الثالث : يعني بها البيوت التي هم ساكنوها خدمة لأهلها واتصالا بأربابها كالأهل والخدم .

أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم فأباح الأكل من بيوت هؤلاء لمكان النسب من غير استئذانهم في الأكل إذا كان الطعام [ ص: 124 ] مبذولا ، فإن كان محروزا دونهم لم يكن لهم هتك حرزه . ولا يجوز أن يتجاوزوا الأكل إلى الادخار ، ولا إلى ما ليس بمأكول وإن كان غير محروز عنهم إلا بإذن منهم ثم قال : أو ما ملكتم مفاتحه فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه عنى به وكيل الرجل وقيمه في ضيعته يجوز له أن يأكل مما يقوم عليه من ثمار ضيعته ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنه أراد منزل الرجل نفسه يأكل مما ادخره ، قاله قتادة .

الثالث : أنه عنى به أكل السيد من منزل عبده وماله لأن مال العبد لسيده ، حكاه ابن عيسى .

أو صديقكم فيه قولان :

أحدهما : أنه يأكل من بيت صديقه في الوليمة دون غيرها .

الثاني : أنه يأكل من منزل صديقه في الوليمة وغيرها إذا كان الطعام حاضرا غير محرز . قال ابن عباس : الصديق أكثر من الوالدين ، ألا ترى أن الجهنميين لم يستغيثوا بالآباء ولا الأمهات وإنما قالوا : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قد جعل الله في الصديق البار عوضا عن الرحم المذمومة والمراد بالصديق الأصدقاء وهو واحد يعبر به عن الجميع ، قال جرير:


دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا . . بأسهم أعداء وهن صديق



وفي الصديق قولان :

أحدهما : أنه الذي صدقك عن مودته .

الثاني : أنه الذي يوافق باطنه باطنك كما وافق ظاهره ظاهرك .

ثم اختلفوا في نسخ ما تقدم ذكره بعد ثبوت حكمه على قولين :

أحدهما : أنه على ثبوته لم ينسخ شيء منه ، قاله قتادة .

[ ص: 125 ] الثاني : أنه منسوخ بقوله تعالى : لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام الآية . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه قال تعالى : ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنها نزلت في بني كنانة كان رجل منهم يرى أن محرما عليه أن يأكل وحده في الجاهلية حتى أن الرجل ليسوق الزود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، قاله قتادة وابن جريج .

الثاني : أنها نزلت في قوم من العرب كان الرجل منهم إذا نزل به ضيف تحرج أن يتركه يأكل وحده حتى يأكل معه ، فنزل ذلك فيهم ، قاله أبو صالح .

الثالث : أنها نزلت في قوم كانوا يتحرجون أن يأكلوا جميعا ويعتقدون أنه ذنب ويأكل كل واحد منهم منفردا ، فنزل ذلك فيهم ، حكاه النقاش .

الرابع : أنها نزلت في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك الباقون عن الأكل حتى يحضر ، فنزل ذلك فيهم ترخيصا للأكل جماعة وفرادى .

فإذا دخلتم بيوتا فيها قولان :

[ ص: 126 ] أحدهما : أنه المساجد .

الثاني : أنها جميع البيوت .

فسلموا على أنفسكم فيه خمسة أقاويل :

أحدها : يعني إذا دخلتم بيوت أنفسكم فسلموا على أهاليكم وعيالكم ، قاله جابر .

الثاني : إذا دخلتم المساجد فسلموا على من فيها، وهذا قول ابن عباس .

الثالث : إذا دخلتم بيوت غيركم فسلموا عليهم، قاله الحسن .

الرابع : إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهل دينكم، قاله السدي .

الخامس : إذا دخلتم بيوتا فارغة فسلموا على أنفسكم وهو أن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، قاله ابن عمر ، وإبراهيم ، وأبو مالك ، وقيل : سلامه على نفسه أن يقول : السلام علينا من ربنا تحية من عند الله .

وإذا سلم الواحد من الجماعة أجزأ عن جميعهم ، فإذا دخل الرجل مسجدا ذا جمع كثير سلم يسمع نفسه ، وإذا كان ذا جمع قليل أسمعهم أو بعضهم .

قال الحسن : كان النساء يسلمن على الرجال ولا يسلم الرجال على النساء ، وكان ابن عمر يسلم على النساء ، ولو قيل لا يسلم أحد الفريقين على الآخر كان أولى لأن السلام مواصلة .

تحية من عند الله فيه أربعة أقاويل :

أحدها : يعني أن السلام اسم من أسماء الله تعالى .

الثاني : أن التحية بالسلام من أوامر الله .

الثالث : أن الرد عليه إذا سلم دعاء له عند الله .

الرابع : أن الملائكة ترد عليه فيكون ثوابا من عند الله .

مباركة فيها وجهان :

أحدهما : لما فيها من الثواب الجزيل .

[ ص: 127 ] الثاني : لما يرجى من ثواب الدعاء .

طيبة يحتمل وجهين :

أحدهما : لما فيها من طيب العيش بالتواصل .

الثاني : لما فيها من طيب الذكر والشأن .

التالي السابق


الخدمات العلمية