صفحة جزء
وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا

قوله تعالى : وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فيه وجهان :

أحدهما : أنهم قالوا ذلك إزراء عليه أنه لما كان مثلهم محتاجا إلى الطعام [ ص: 133 ] ومتبذلا في الأسواق لم يجز أن يتميز عليهم بالرسالة ووجب أن يكون مثلهم في الحكم .

الثاني : أنهم قالوا ذلك استزادة له في الحال كما زاد عليهم في الاختصاص فكان يجب ألا يحتاج إلى الطعام كالملائكة ، ولا يتبذل في الأسواق كالملوك .

ومرادهم في كلا الوجهين فاسد من وجهين :

أحدهما : أنه ليس يوجب اختصاصه بالمنزلة نقله عن موضع الخلقة لأمرين :

أحدهما : أن كل جنس قد يتفاضل أهله في المنزلة ولا يقتضي تمييزهم في الخلقة كذلك حال من فضل في الرسالة .

الثاني : أنه لو نقل عن موضوع الخلقة بتمييزه بالرسالة لصار من غير جنسهم ولما كان رسولا منهم ، وذلك مما تنفر منه النفوس .

وأما الوجه الثاني : فهو أن الرسالة لا تقتضي منعه من المشي في الأسواق لأمرين :

أحدهما : أن هذا من أفعال الجبابرة وقد صان الله رسوله عن التجبر .

الثاني : لحاجته لدعاء أهل الأسواق إلى نبوته ، ومشاهدة ما هم عليه من منكر يمنع منه ومعروف يقر عليه .

لولا أنزل إليه الآية أي هلا أنزل إليه ملك وفيه وجهان :

أحدهما : أن يكون الملك دليلا على صدقه .

الثاني : أن يكون وزيرا له يرجع إلى رأيه .

أو يلقى إليه كنز فلا يكون فقيرا .

أو تكون له جنة يأكل منها والجنة البستان فكأنهم استقلوه لفقره . قال الحسن : والله ما زواها عن نبيه إلا اختيارا ولا بسطها لغيره إلا اغترارا ولولا ذاك لما أعاله .

[ ص: 134 ] قوله : وقال الظالمون يعني مشركي قريش وقيل إنه عبد الله بن الزبعرى .

إن تتبعون إلا رجلا مسحورا فيه وجهان :

أحدهما : سحر فزال عقله .

الثاني : أي سحركم فيما يقوله .

قوله تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال يعني ما تقدم من قولهم .

فضلوا فيه وجهان :

أحدهما : فضلوا عن الحق في ضربها .

الثاني : فناقضوا في ذكرها لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا تملى عليه وهما متناقضان .

فلا يستطيعون سبيلا فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : مخرجا من الأمثال التي ضربوها ، قاله مجاهد .

الثاني : سبيلا إلى الطاعة لله ، قاله السدي .

الثالث : سبيلا إلى الخير ، قاله يحيى بن سلام .

قوله تعالى : وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا قال عبد الله بن عمرو : إن جهنم لتضيق على الكافرين كضيق الزج على الرمح .

مقرنين فيه وجهان : أحدهما : مكتفين ، قاله أبو صالح .

الثاني : يقرن كل واحد منهم إلى شيطانه ، قاله يحيى بن سلام .

دعوا هنالك ثبورا فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : ويلا ، قاله ابن عباس .

[ ص: 135 ] الثاني : هلاكا ، قاله الضحاك .

الثالث : معناه وانصرافاه عن طاعة الله ، حكاه ابن عيسى وروي عن النبي صلى الله عليه السلام أنه قال : (أول من يقوله إبليس) .

التالي السابق


الخدمات العلمية