صفحة جزء
[ ص: 75 ] سورة ص

مكية في قول جميعهم

بسم الله الرحمن الرحيم

ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص

قوله عز وجل: ص فيه تسعة تأويلات:

أحدها: أنه فواتح فتح الله تعالى بها القرآن ، قاله مجاهد .

الثاني: أنه اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة .

الثالث: أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به ، قاله ابن عباس .

الرابع: أنه حرف هجاء من أسماء الله تعالى ، قاله السدي .

الخامس: أنه بمعنى صدق الله ، قاله الضحاك .

السادس: أنه من المصادة وهي المعارضة ومعناه عارض القرآن لعلمك ، قاله الحسن .

السابع: أنه من المصادة وهي الاتباع ومعناه اتبع القرآن بعلمك ، قاله سفيان.

والقرآن ذي الذكر فيه أربعة تأويلات:

أحدها: ذي الشرف، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي .

الثاني: بالبيان، قاله قتادة .

الثالث: بالتذكير، قاله الضحاك .

الرابع: ذكر ما قبله من الكتب، حكاه ابن قتيبة. قال قتادة : هاهنا وقع القسم.

[ ص: 76 ] واختلف أهل التأويل في جوابه على قولين:

أحدهما: أن جواب القسم محذوف وحذفه أفخم له لأن النفس تذهب فيه كل مذهب. ومن قال بحذفه اختلفوا فيه على قولين:

أحدهما: أن تقدير المحذوف منه لقد جاء الحق.

الثاني: تقديره ما الأمر كما قالوا.

والقول الثاني: من الأصل أن جواب القسم مظهر ، ومن قال بإظهاره اختلفوا فيه على قولين:

أحدهما: قوله تعالى كم أهلكنا من قبلهم من قرن قاله الفراء.

الثاني: من قوله تعالى إن ذلك لحق تخاصم أهل النار وهو قول مقاتل.

قوله عز وجل بل الذين كفروا في عزة وشقاق فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يعني في حمية وفراق ، قاله قتادة .

الثاني: في تعزز واختلاف ، قاله السدي .

الثالث: في أنفة وعداوة.

ويحتمل رابعا: في امتناع ومباعدة.

كم أهلكنا من قبلهم يعني قبل كفار هذه الأمة. من قرن فيه قولان:

أحدهما: يعني من أمة ، قاله أبو مالك.

الثاني: أن القرن زمان مقدور وفيه سبعة أقاويل:

أحدها: أنه عشرون سنة ، قاله الحسن .

الثاني: أربعون سنة ، قاله إبراهيم.

الثالث: ستون سنة ، رواه أبو عبيدة الناجي.

الرابع: سبعون سنة ، قاله قتادة .

الخامس: ثمانون سنة ، قاله الكلبي .

السادس: مائة سنة ، رواه عبد الله بن بشر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 77 ] السابع: عشرون ومائة سنة ، قاله زرارة بن أوفى.

قوله عز وجل: فنادوا ولات حين مناص يحتمل وجهين:

أحدهما: استغاثوا.

الثاني: دعوا.

ولات حين مناص التاء من لات مفصولة من الحاء وهي كذلك في المصحف ، ومن وصلها بالحاء فقد أخطأ. وفيها وجهان:

أحدها: أنها بمعنى لا وهو قول أبي عبيدة.

الثاني: أنها بمعنى ليس ولا تعمل إلا في الحين خاصة ، قال الشاعر:


تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القرينا

وفي تأويل قوله تعالى ولات حين مناص خمسة أوجه:

أحدها: وليس حين ملجأ ، قاله زيد بن أسلم.

الثاني: وليس حين مغاث ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، ومنه قول علي رضي الله عنه في رجز له:

لأصبحن العاصي بن العاصي     سبعين ألفا عاقدي النواصي
قد جنبوا الخيل على الدلاص     آساد غيل حين لا مناص

الثالث: وليس حين زوال، رواه أبو قابوس عن ابن عباس ، ومنه قول الشاعر:

فهم خشوع لدية لا مناص لهم     يضمهم مجلس يشفي من الصيد

الرابع: وليس حين فرار، قاله عكرمة والضحاك وقتادة قال الفراء مصدر من ناص ينوص. والنوص بالنون التأخر، والبوص بالباء التقدم وأنشد قول امرئ القيس:

أمن ذكر ليلى إن نأتك تنوص     فتقصر عنها خطوة وتبوص

[ ص: 78 ] فجمع في هذا البيت بين البوص والنوص فهو بالنون التأخر وبالباء التقدم.

الخامس: أن النوص بالنون التقدم، والبوص بالباء التأخر، وهو من الأضداد، وكانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض: مناص: أي حملة واحدة، فينجو فيها من نجا ويهلك فيها من هلك ، حكاه الكلبي : فصار تأويله على هذا الوجه ما قاله السدي أنهم حين عاينوا الموت لم يستطيعوا فرارا من العذاب ولا رجوعا إلى التوبة.

التالي السابق


الخدمات العلمية