صفحة جزء
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون

قوله عز وجل: قرآنا عربيا غير ذي عوج فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: غير ذي لبس ، قاله مجاهد .

الثاني: غير مختلف ، قاله الضحاك .

الثالث: غير ذي شك ، قاله السدي .

قوله عز وجل: ضرب الله مثلا رجلا يعني الكافر. فيه شركاء أي يعبد أوثانا شتى. متشاكسون فيه أربعة أوجه:

أحدها: متنازعون ، قاله قتادة .

الثاني: مختلفون ، قاله ابن زياد.

الثالث: متعاسرون.

الرابع: متظالمون مأخوذ من قولهم: شكسني مالي أي ظلمني. ورجلا سلما لرجل يعني المؤمن سلما لرجل أي مخلصا لرجل ، يعني أنه بإيمانه يعبد إلها واحدا. هل يستويان مثلا أي هل يستوي حال العابد لله وحده وحال من يعبد آلهة غيره؟ فضرب لهما مثلا بالعبدين اللذين يكون أحدهما لشركاء متشاكسين ، لا يقدر أن يوفي كل واحد منهم حق خدمته ، ويكون الآخر لسيد واحد يقدر أن يوفيه حق خدمته. الحمد لله يحتمل وجهين:

أحدهما: على احتجاجه بالمثل الذي خصم به المشركين.

الثاني: على هدايته التي أعان بها المؤمنين. [ ص: 125 ] بل أكثرهم لا يعلمون يحتمل وجهين:

أحدهما: لا يعلمون المثل المضروب.

الثاني: لا يعلمون بأن الله هو الإله المعبود.

قوله عز وجل: إنك ميت وإنهم ميتون هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموته وموتهم ، فاحتمل خمسة أوجه:

أحدها: أن يذكر ذلك تحذيرا من الآخرة.

الثاني: أن يذكره حثا على العمل.

الثالث: أن يذكره توطئة للموت.

الرابع: لئلا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره حتى إن عمر لما أنكر موته احتج أبو بكر بهذه الآية فأمسك.

الخامس: ليعلمه أن الله تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره لتكثر فيه السلوى وتقل الحسرة. ومعنى إنك ميت أي ستموت ، يقال ميت بالتشديد للذي سيموت ، وميت بالتخفيف لمن قد مات.

قوله عز وجل: ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيه أربعة أوجه:

أحدها: في الدماء ، قاله عكرمة .

الثاني: في المداينة ، قاله الربيع بن أنس.

الثالث: في الإيمان والكفر ، قاله ابن زيد ، فمخاصمة المؤمنين تقريع ، ومخاصمة الكافرين ندم.

الرابع: ما قاله ابن عباس يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهتدي الضال ، والضعيف المستكبر. قال إبراهيم النخعي: لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ما خصومتنا بيننا.

ويحتمل خامسا: أن تخاصمهم هو تحاكمهم إلى الله تعالى فيما تغالبوا عليه في الدنيا من حقوقهم خاصة دون حقوق الله ليستوفيها من حسنات من وجبت عليه في حسنات من وجبت له. [ ص: 126 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية