صفحة جزء
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين إن الله يعلم غيب السماوات [ ص: 337 ] والأرض والله بصير بما تعملون

قوله عز وجل: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنهم أقروا ولم يعملوا ، فالإسلام قول والإيمان عمل ، قاله الزهري.

الثاني: أنهم أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا فأعلمهم أن اسمهم أعراب ، قاله ابن عباس .

الثالث: أنهم منوا على رسول الله بإسلامهم فقالوا أسلمنا ، لم نقاتلك ، فقال الله تعالى لنبيه: قل لهم: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا خوف السيف ، قاله قتادة . لأنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم ، فلم يكونوا مؤمنين ، وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين ، فيكون مأخوذا من الاستسلام لا من الإسلام كما قال الشاعر

طال النهار على من لا لقاح له إلا الهدية أو ترك بإسلام

ويكون الإسلام والإيمان في حكم الدين على هذا التأويل واحدا وهو مذهب الفقهاء ، لأن كل واحد منهما تصديق وعمل. وإنما يختلفان من وجهين:

أحدهما: من أصل الاسمين لأن الإيمان مشتق من الأمن ، والإسلام مشتق من السلم.

الثاني: أن الإسلام علم لدين محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان لجميع الأديان ، ولذلك امتنع اليهود والنصارى أن يتسموا بالمسلمين ، ولم يمتنعوا أن يتسموا بالمؤمنين. قال الفراء: ونزلت هذه الآية في أعراب بني أسد.

قوله عز وجل: لا يلتكم من أعمالكم شيئا فيه وجهان:

أحدهما: لا يمنعكم من ثواب عملكم شيئا ، قال رؤبة: [ ص: 338 ]

وليلة ذات سرى سريت     ولم يلتني عن سراها ليت

أي لم يمنعني عن سراها.

الثاني: ولا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا ، قال الحطيئة

أبلغ سراة بني سعد مغلغلة     جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا

أي لا نقصا ولا كذبا. وفيه قراءتان يلتكم و يألتكم وفيها وجهان:

أحدها: [أنهما] لغتان معناهما واحد.

الثاني: يألتكم أكثر وأبلغ من يلتكم.

قوله عز وجل: قل أتعلمون الله بدينكم الآية. هؤلاء أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام خوفا ، وأبطنوا الشرك اعتقادا فأظهر الله ما أبطنوه وكشف ما كتموه، ودلهم بعلمه بما في السماوات والأرض علم علمه بما اعتقدوه ، وكانوا قد منوا بإسلامهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا فضلنا على غيرنا بإسلامنا طوعا.

فقال تعالى يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم وهذا صحيح لأنه إن كان إسلامهم حقا فهو لخلاص أنفسهم فلا منة فيه لهم ، وإن كان نفاقا فهو للدفع عنهم ، فالمنة فيه عليهم. ثم قال بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان يحتمل وجهين:

أحدهما: أن الله أحق أن يمن عليكم أن هداكم للإيمان حتى آمنتم. وتكون المنة هي التحمد بالنعمة.

الثاني: أن الله تعالى ينعم عليكم بهدايته لكم ، وتكون المنة هي النعمة. وقد يعبر بالمنة عن النعمة تارة وعن التحمد بها أخرى. إن كنتم صادقين يعني فيما قلتم من الإيمان.

التالي السابق


الخدمات العلمية