صفحة جزء
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر [ ص: 312 ] الناس لا يشكرون وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون

قوله تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم يعني ألم تعلم. وهم ألوف فيه قولان: أحدهما: يعني مؤتلفي القلوب وهو قول ابن زياد. والثاني: يعني ألوفا في العدد. واختلف قائلو هذا في عددهم على أربعة أقاويل: أحدها: كانوا أربعة آلاف ، رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . والثاني: كانوا ثمانية آلاف. والثالث: كانوا بضعة وثلاثين ألفا ، وهو قول السدي. والرابع: كانوا أربعين ألفا ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، والألوف تستعمل فيما زاد على عشرة آلاف. ثم قال تعالى: حذر الموت وفيه قولان: أحدهما: أنهم فروا من الطاعون ، وهذا قول الحسن ، وروى سعيد بن جبير قال: كانوا أربعة آلاف ، خرجوا فرارا من الطاعون ، وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت ، فخرجوا ، حتى إذا كانوا بأرض كذا ، قال الله لهم: موتوا فماتوا ، فمر عليهم نبي ، فدعا ربه أن يحييهم ، فأحياهم الله. القول الثاني: أنهم فروا من الجهاد ، وهذا قول عكرمة والضحاك. فقال لهم الله موتوا فيه قولان: أحدهما: يعني فأماتهم الله ، كما يقال: قالت السماء فمطرت ، لأن القول مقدمة الأفعال ، فعبر به عنها. والثاني: أنه تعالى قال قولا سمعته الملائكة. [ ص: 313 ]

ثم أحياهم إنما فعل ذلك معجزة لنبي من أنبيائه كان اسمه شمعون من أنبياء بني إسرائيل ، وأن مدة موتهم إلى أن أحياهم الله سبعة أيام. قال ابن عباس ، وابن جريج: رائحة الموت توجد في ولد ذلك السبط من اليهود إلى يوم القيامة. قوله عز وجل: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيه تأويلان: أحدهما: أنه الجهاد ، وهو قول ابن زيد. والثاني: أبواب البر ، وهو قول الحسن ، ومنه قول الشاعر:


وإذا جوزيت قرضا فاجزه إنما يجزي الفتى ليس الجمل



قال الحسن: وقد جهلت اليهود لما نزلت هذه الآية فقالوا: إن الله يستقرض منا ، فنحن أغنياء ، وهو فقير ، فأنزل الله تعالى: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء [آل عمران: 181] . قوله تعالى: فيضاعفه له أضعافا كثيرة فيه قولان: أحدهما: سبعمائة ضعف ، وهو قول ابن زيد. والثاني: لا يعلمه أحد إلا الله ، وهو قول السدي. والله يقبض ويبسط فيه تأويلان: أحدهما: يعني في الرزق ، وهو قول الحسن وابن زيد . والثاني: يقبض الصدقات ويبسط الجزاء ، وهو قول الزجاج.

التالي السابق


الخدمات العلمية