صفحة جزء
قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقض ما أمره فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم

قتل الإنسان ما أكفره في قتل وجهان :

أحدهما : عذب .

الثاني : لعن . وفي الإنسان ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه إشارة إلى كل كافر ، قاله مجاهد .

الثاني : أنه أمية بن خلف ، قاله الضحاك .

الثالث : أنه عتبة بن أبي لهب حين قال : إني كفرت برب النجم إذا هوى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم سلط عليه كلبك فأخذه الأسد في طريق الشام) ، قاله ابن جريج والكلبي . وفي ما أكفره ثلاثة أوجه :

أحدها : أن (ما) تعجب ، وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا قاتله الله ما أحسنه ، وأخزاه الله ما أظلمه ، والمعنى : أعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا .

الثاني : أي شيء أكفره ، على وجه الاستفهام ، قاله السدي ويحيى بن سلام .

[ ص: 206 ]

الثالث : ما ألعنه ، قاله قتادة . ثم السبيل يسره فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : خروجه من بطن أمه ، قاله عكرمة والضحاك .

الثاني : سبيل السعادة والشقاوة ، قاله مجاهد .

الثالث : سبيل الهدى والضلالة ، قاله الحسن . ويحتمل رابعا : سبيل منافعه ومضاره . ثم أماته فأقبره فيه قولان :

أحدهما : جعله ذا قبر يدفن فيه ، قاله الطبري ، قال الأعشى


لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر



الثاني : جعل من يقبره ويواريه ، قاله يحيى بن سلام . ثم إذا شاء أنشره يعني أحياه ، قال الأعشى


حتى يقول الناس مما رأوا     يا عجبا للميت الناشر



كلا لما يقض ما أمره فيه قولان :

أحدهما : أنه الكافر لم يفعل ما أمر به من الطاعة والإيمان ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : أنه على العموم في المسلم والكافر ، قال مجاهد : لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه ، وكلا ها هنا لتكرير النفي وهي موضوعة للرد . ويحتمل وجه حمله على العموم أن الكافر لا يقضيه عمرا ، والمؤمن لا يقضيه شهرا . فلينظر الإنسان إلى طعامه فيه وجهان :

أحدهما : إلى طعامه الذي يأكله وتحيا نفسه به ، من أي شيء كان ، قاله يحيى .

[ ص: 207 ]

الثاني : ما يخرج منه أي شيء كان؟ ثم كيف صار بعد حفظ الحياة وموت الجسد . قال الحسن : إن ملكا يثني رقبة ابن آدم إذا جلس على الخلاء لينظر ما يخرج منه . ويحتمل إغراؤه بالنظر إلى وجهين :

أحدهما : ليعلم أنه محل الأقذار فلا يطغى .

الثاني : ليستدل على استحالة الأجسام فلا ينسى . أنا صببنا الماء صبا يعني المطر . ثم شققنا الأرض شقا يعني بالنبات . فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا والقضب : القت والعلق سمي بذلك لقضبه بعد ظهوره . وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا فيه قولان :

أحدهما : نخلا كراما ، قاله الحسن .

الثاني : الشجر الطوال الغلاظ ، قال الكلبي : الغلب الغلاظ ، قال الفرزدق


عوى فأثار أغلب ضيغميا     فويل ابن المراغة ما استثار



وفي (الحدائق) ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها ما التف واجتمع ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنه نبت الشجر كله .

الثالث : أنه ما أحيط عليه من النخل والشجر ، وما لم يحط عليه فليس بحديقة حكاه أبو صالح . ويحتمل قولا رابعا : أن الحدائق ما تكامل شجرها واختلف ثمرها حتى عم خيرها .

[ ص: 208 ]

ويحتمل الغلب أن يكون ما غلبت عليه ولم تغلب فكان هينا . وفاكهة وأبا فيه خمسة أقاويل : أحدها : أن الأب ما ترعاه البهائم ، قاله ابن عباس : وما يأكله الآدميون الحصيدة ، قال الشاعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم


له دعوة ميمونة ريحها الصبا     بها ينبت الله الحصيدة والأبا



الثاني : أنه كل شيء ينبت على وجه الأرض ، قاله الضحاك .

الثالث : أنه كل نبات سوى الفاكهة ، وهذا ظاهر قول الكلبي .

الرابع : أنه الثمار الرطبة ، قاله ابن أبي طلحة .

الخامس : أنه التبن خاصة ، وهو يحكى عن ابن عباس أيضا ، قال الشاعر


فما لهم مرتع للسوا     م والأب عندهم يقدر





ووجدت لبعض المتأخرين سادسا : أن رطب الثمار هو الفاكهة ، ويابسها الأب . ويحتمل سابعا : أن الأب ما أخلف مثل أصله كالحبوب ، والفاكهة ما لم يخلف مثل أصله من الشجر . روي أن عمر بن الخطاب قرأ عبس وتولى فلما بلغ إلى قوله تعالى : وفاكهة وأبا قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأب؟ ثم قال : لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا هو التكلف وألقى العصا من يده . وهذا مثل ضربه الله تعالى لبعث الموتى من قبورهم فهم كنبات الزرع بعد دثوره ، وتضمن امتنانا عليهم بما أنعم .

[ ص: 209 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية