صفحة جزء
[ ص: 323 ]

سورة العاديات

مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء ، ومدنية في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة . بسم الله الرحمن الرحيم

والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير

قوله تعالى : والعاديات ضبحا في العاديات قولان :

أحدهما : أنها الخيل في الجهاد ، قاله ابن عباس وأنس والحسن ، ومنه قول الشاعر


وطعنة ذات رشاش واهيه طعنتها عند صدور العاديه



يعني الخيل .

الثاني : أنها الإبل في الحج ، قاله علي رضي الله عنه وابن مسعود ومنه قول صفية بنت عبد المطلب


فلا والعاديات غداة جمع     بأيديها إذا صدع الغبار

[ ص: 324 ]

يعني الإبل ، وسميت العاديات لاشتقاقها من العدو ، وهو تباعد الرجل في سرعة المشي; وفي قوله ضبحا وجهان :

أحدهما : أن الضبح حمحمة الخيل عند العدو ، قاله من زعم أن العاديات الخيل .

الثاني : أنه شدة النفس عند سرعة السير ، قاله من زعم أنها الإبل ، وقيل إنه لا يضبح بالحمحمة في عدوه إلا الفرس والكلب ، وأما الإبل فضبحها بالنفس; وقال ابن عباس : ضبحها : قول سائقها أج أج; وهذا قسم ، فالموريات قدحا فيه ستة أقاويل : أحدها : أنها الخيل توري النار بحوافرها إذا جرت من شدة الوقع ، قاله عطاء .

الثاني : أنها نيران الحجيج بمزدلفة ، قاله محمد بن كعب .

الثالث : أنها نيران المجاهدين إذا اشتعلت فكثرت نيرانها إرهابا ، قاله ابن عباس .

الرابع : أنها تهيج الحرب بينهم وبين عدوهم ، قاله قتادة .

الخامس : أنه مكر الرجال ، قاله مجاهد ; يعني في الحروب .

السادس : أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأقيمت بها الدلائل وأوضح بها الحق وفضح بها الباطل ، قاله عكرمة ، وهو قسم ثان . فالمغيرات صبحا فيها قولان :

أحدهما : أنها الخيل تغير على العدو صبحا ، أي علانية ، تشبيها بظهور الصبح ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنها الإبل حين تعدو صبحا من مزدلفة إلى منى ، قاله علي رضي الله عنه . فأثرن به نقعا فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : فأثرن به غبارا ، والنقع الغبار ، قاله قتادة ، وقال عبد الله بن رواحة :

[ ص: 325 ]


عدمت بنيتي إن لم تروها     تثير النقع من كنفي كداء



الثاني : النقع ما بين مزدلفة إلى منى ، قاله محمد بن كعب .

الثالث : أنه بطن الوادي ، فلعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع . فوسطن به جمعا فيه قولان :

أحدهما : جمع العدو حتى يلتقي الزحف ، قاله ابن عباس والحسن .

الثاني : أنها مزدلفة تسمى جمعا لاجتماع الحاج لها وإثارة النقع في الدفع إلى منى ، قاله مكحول . إن الإنسان لربه لكنود فيه سبعة أقاويل : أحدها : لكفور قاله قتادة ، والضحاك ، وابن جبير ، ومنه قول الأعشى


أحدث لها تحدث لوصلك إنها     كند لوصل الزائر المعتاد



وقيل : إن الكنود هو الذي يكفر اليسير ولا يشكر الكثير .

الثاني : أنه اللوام لربه ، يذكر المصائب وينسى النعم ، قاله الحسن ، وهو قريب من المعنى الأول .

الثالث : أن الكنود الجاحد للحق ، وقيل إنما سميت كندة لأنها جحدت أباها ، وقال إبراهيم بن زهير الشاعر


دع البخلاء إن شمخوا وصدوا     وذكرى بخل غانية كنود



الرابع : أن الكنود العاصي بلسان كندة وحضرموت ، وذكره يحيى بن سلام .

الخامس : أنه البخيل بلسان مالك بن كنانة ، وقال الكلبي : الكنود بلسان كندة وحضرموت : العاصي ، وبلسان مضر وربيعة : الكفور ، وبلسان مالك بن كنانة : البخيل .

السادس : أنه ينفق نعم الله في معاصي الله .

السابع : ما رواه القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكنود [ ص: 326 ]

الذي يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رفده
، وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وعلى هذا وقع القسم بجميع ما تقدم من السورة . وإنه على ذلك لشهيد فيه قولان :

أحدهما : أن الله تعالى على كفر الإنسان لشهيد ، قاله ابن جريج .

الثاني : أن الإنسان شاهد على نفسه ، لأنه كنود ، قاله ابن عباس . وإنه لحب الخير لشديد يعني الإنسان ، وفي الخير ها هنا وجهان :

أحدهما : المال ، قاله ابن عباس ، ومجاهد وقتادة .

الثاني : الدنيا ، قاله ابن زيد . ويحتمل ثالثا : أن الخير ها هنا الاختيار ، ويكون معناه : وإنه لحب اختياره لنفسه لشديد . وفي قوله لشديد وجهان :

أحدهما : لشديد الحب للخير ، وشدة الحب قوته وتزايده .

الثاني : لشحيح بالمال يمنع حق الله منه ، قاله الحسن ، من قولهم فلان شديد أي شحيح . أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : من فيها من الأموات .

الثاني : معناه مات .

الثالث : بحث ، قاله الضحاك ، وهي في قراءة ابن مسعود : (بحثر ما في القبور( . وحصل ما في الصدور فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : ميز ما فيها ، قاله الكلبي .

الثاني : استخرج ما فيها .

الثالث : كشف ما فيها . إن ربهم بهم يومئذ لخبير أي عالم ، ويحتمل وجهين :

أحدهما : لخبير بما في نفوسهم .

الثاني : لخبير ، بما تؤول إليه أمورهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية