صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون

قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله يحتمل وجهين: أحدهما: يأيها الذين آمنوا بألسنتهم اتقوا الله بقلوبكم. والثاني: يأيها الذين آمنوا بقلوبهم اتقوا الله في أفعالكم. وذروا ما بقي من الربا فيمن نزلت هذه الآية قولان: أحدهما: أنها نزلت في ثقيف وكان بينهم وبين عامر وبني مخزوم ، فتحاكموا فيه إلى عتاب بن أسيد بمكة وكان قاضيا عليها من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: دخلنا في الإسلام على أن ما كان لنا من الربا فهو باق ، وما كان علينا فهو موضوع ، فنزل ذلك فيهم وكتب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم. [ ص: 352 ]

والثاني أنها نزلت في بقية من الربا كانت للعباس ومسعود وعبد ياليل وحبيب بن ربيعة عند بني المغيرة. قوله عز وجل: وذروا ما بقي من الربا محمول على أن من أربى قبل إسلامه ، وقبض بعضه في كفره وأسلم وقد بقي بعضه ، فما قبضه قبل إسلامه معفو عنه لا يجب عليه رد ، وما بقي منه بعد إسلامه ، حرام عليه لا يجوز له أخذه ، فأما المراباة بعد الإسلام فيجب رده فيما قبض وبقي ، فيرد ما قبض ويسقط ما بقي ، بخلاف المقبوض في الكفر ، لأن الإسلام يجب ما قبله. وفي قوله تعالى: إن كنتم مؤمنين قولان: أحدهما: يعني أن من كان مؤمنا فهذا حكمه. والثاني: معناه إذا كنتم مؤمنين. قوله عز وجل: فإن لم تفعلوا يعني ترك ما بقي من الربا. فأذنوا بحرب من الله ورسوله قرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر (فآذنوا) بالمد ، بمعنى: فأعلموا غيركم ، وقرأ الباقون بالقصر بمعنى فاعلموا أنتم ، وفيه وجهان: أحدهما: إن لم تنتهوا عن الربا أمرت النبي بحربكم. والثاني: إن لم تنتهوا عنه فأنتم حرب الله ورسوله ، يعني أعداءه. وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم يعني التي دفعتم لا تظلمون بأن تأخذوا الزيادة على رؤوس أموالكم ، ولا تظلمون بأن تمنعوا رؤوس أموالكم. قوله عز وجل: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة قيل: إن في قراءة أبي ( ذا عسرة ) وهو جائز في العربية. وفيه قولان: أحدهما: أن الإنظار بالعسرة واجب في دين الربا خاصة ، قاله ابن عباس ، وشريح. والثاني: أنه عام يجب إنظاره بالعسرة في كل دين ، لظاهر الآية ، وهو قول [ ص: 353 ]

عطاء ، والضحاك ، وقيل: إن الإنظار بالعسرة في دين الربا بالنص ، وفي غيره من الديون بالقياس. وفي قوله: إلى ميسرة قولان: أحدهما: مفعلة من اليسر ، وهو أن يوسر ، وهو قول الأكثرين. والثاني: إلى الموت ، قاله إبراهيم النخعي . وأن تصدقوا خير لكم يعني وأن تصدقوا على المعسر بما عليه من الدين خير لكم من أن تنظروه ، روى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: كان آخر ما نزل من القرآن آية الربا ، فدعوا الربا والربية ، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها. قوله عز وجل: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله أي اتقوا بالطاعة فيما أمرتم به من ترك الربا وما بقي منه. و يوما ترجعون فيه إلى الله فيه قولان: أحدهما: يعني إلى جزاء الله. والثاني: إلى ملك الله. ثم توفى كل نفس ما كسبت فيه تأويلان: أحدهما: جزاء ما كسبت من الأعمال. والثاني: ما كسبت من الثواب والعقاب. وهم لا يظلمون يعني بنقصان ما يستحقونه من الثواب ، ولا بالزيادة على ما يستحقونه من العقاب. [ ص: 354 ]

روى ابن عباس أن آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية. قال ابن عباس : مكث بعدها سبع ليال.

التالي السابق


الخدمات العلمية