1. الرئيسية
  2. تفسير الماوردي
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. تفسير قوله تعالى وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين
صفحة جزء
وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين [ ص: 392 ] ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون

قوله تعالى: وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك فيه قولان: أحدهما: اصطفاها على عالمي زمانها ، وهذا قول الحسن . والثاني: أنه اصطفاها لولادة المسيح ، وهو قول الزجاج. ( وطهرك ) فيه قولان: أحدهما: طهرك من الكفر ، وهو قول الحسن ومجاهد. والثاني: طهرك من أدناس الحيض والنفاس ، وهو قول الزجاج. واصطفاك على نساء العالمين فيه قولان: أحدهما: أنه تأكيد للاصطفاء الأول بالتكرار. والثاني: أن الاصطفاء الأول للعبادة ، والاصطفاء الثاني لولادة المسيح. قوله عز وجل: يا مريم اقنتي لربك واسجدي فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: يعني أخلصي لربك ، وهو قول سعيد. والثاني: معناه أديمي الطاعة لربك ، وهو قول قتادة. والثالث: أطيلي القيام في الصلاة ، وهو قول مجاهد. واركعي مع الراكعين وفي تقديم السجود على الركوع قولان: أحدهما: أنه كان مقدما في شريعتهم وإن كان مؤخرا عندنا. والثاني: أن الواو لا توجب الترتيب ، فاستوى حكم التقديم في اللفظ وتأخيره ، وأصل السجود الانخفاض الشديد والخضوع ، كما قال الشاعر:


فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف



وكذلك الركوع إلا أن السجود أكثر انخفاضا. وفي قوله تعالى: واركعي مع الراكعين قولان: أحدهما: معناه وافعلي كفعلهم. [ ص: 393 ]

والثاني: يعني مع الراكعين في صلاة الجماعة. قوله تعالى: ذلك من أنباء الغيب يعني ما كان من البشرى بالمسيح. نوحيه إليك وأصل الوحي إلقاء المعنى إلى صاحبه ، والوحي إلى الرسل الإلقاء بالإنزال ، وإلى النحل بالإلهام ، ومن بعض إلى بعض بالإشارة ، كما قال تعالى: فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا قال العجاج:


... ... ...     أوحى لها القرار فاستقرت



وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم فيه قولان: أحدهما: أنهم تشاجروا عليها وتنازعوا فيها طلبا لكفالتها ، فقال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها عندي ، وقال القوم: نحن أحق بها لأنها بنت إمامنا وعالمنا ، فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم وهي القداح مستقبلة لجرية الماء ، فاستقبلت عصا زكريا لجرية الماء مصعدة ، وانحدرت أقلامهم فقرعهم زكريا ، وهو معنى قوله تعالى: وكفلها وهذا قول ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والربيع. والقول الثاني: أنهم تدافعوا كفالتها لأن زكريا قد كان كفل بها من غير اقتراع ، ثم لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مؤونتها ، فقال للقوم: ليأخذها أحدكم فتدافعوا كفالتها وتمانعوا منها ، فأقرع بينهم وبين نفسه فخرجت القرعة له ، وهذا قول سعيد.

التالي السابق


الخدمات العلمية