صفحة جزء
أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قديروما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين

أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها يعني بالمصيبة التي أصابتهم يوم أحد ، وبالتي أصابوها يوم بدر. [ ص: 435 ]

قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم في الذي هو من عند أنفسهم ثلاثة أقاويل: أحدها: خلافهم في الخروج من المدينة للقتال يوم أحد ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتحصنوا بها ، وهذا قول قتادة ، والربيع. والثاني: اختيارهم الفداء من السبعين يوم بدر على القتل ، وقد قيل لهم: إن فعلتم ذلك قتل منكم مثلهم ، وهذا قول علي ، وعبيدة السلماني. والثالث: خلاف الرماة يوم أحد لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في ملازمة موضعهم. وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين فيه قولان: أحدهما: ليرى المؤمنين. والثاني: ليميزوا من المنافقين. وليعلم الذين نافقوا يعني عبد الله بن أبي وأصحابه. وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله يعني جاهدوا. أو ادفعوا فيه قولان: أحدهما: يعني تكثير السواد وإن لم يقاتلوا وهو قول السدي وابن جريج . والثاني: معناه رابطوا على الخيل إن لم تقاتلوا ، وهو قول ابن عوف الأنصاري. قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم قيل: إن عبد الله بن عمرو بن حزام قال لهم: [اتقوا الله ولا تتركوا نبيكم فقال له ابن أبي] : علام نقتل أنفسنا؟ ارجعوا بنا لو نعلم قتالا لاتبعناكم. هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان لأنهم بإظهار الإيمان لا يحكم عليهم بحكم الكفار ، وقد كانوا قبل ذلك بإظهار الإيمان أقرب إلى الإيمان ، ثم صاروا بما فعلوه أقرب إلى الكفر من الإيمان. يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم يعني ما يظهرونه من الإسلام وليس في قلوبهم منه شيء. [ ص: 436 ]

وإنما قال: يقولون بأفواههم وإن كان القول لا يكون إلا به لأمرين: أحدهما: التأكيد. والثاني: أنه ربما نسب القول إلى الساكت مجازا إذ كان به راضيا. الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا يعني عبد الله بن أبي وأصحابه حين انخذلوا وقعدوا ، وكانوا نحو ثلاثمائة وتخلف عنهم من قتل منهم (فقالوا: لو أطاعونا وقعدوا معنا ما قتلوا). قل فادرءوا عن أنفسكم الموت أي ادفعوا عن أنفسكم الموت ، ومنه قول الشاعر:


تقول وقد درأت لها وضيني أهذا دينه أبدا وديني



إن كنتم صادقين فيه قولان: أحدهما: يعني في خبركم أنهم لو أطاعوا ما قتلوا. والثاني: معناه إن كنتم محقين في تثبيطكم عن الجهاد فرارا من القتل.

التالي السابق


الخدمات العلمية