صفحة جزء
[ ص: 5 ] سورة المائدة

بسم الله الرحمن الرحيم



يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود فيها خمسة أقاويل: أحدها: أنها عهود الله ، التي أخذ بها الإيمان ، على عباده فيما أحله لهم ، وحرمه عليهم ، وهذا قول ابن عباس . والثاني: أنها العهود التي أخذها الله تعالى على أهل الكتاب أن يعملوا بما في التوراة ، والإنجيل من تصديق محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول ابن جريج . والثالث: أنها عهود الجاهلية وهي الحلف الذي كان بينهم ، وهذا قول قتادة . [ ص: 6 ] الرابع: عهود الدين كلها ، وهذا قول الحسن . والخامس: أنها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم من بيع ، أو نكاح ، أو يعقدها المرء على نفسه من نذر ، أو يمين ، وهذا قول ابن زيد . أحلت لكم بهيمة الأنعام فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الأنعام كلها ، وهي الإبل ، والبقر ، والغنم ، وهذا قول قتادة ، والسدي . والثاني: أنها أجنة الأنعام التي توجد ميتة في بطون أمهاتها ، إذا نحرت أو ذبحت ، وهذا قول ابن عباس ، وابن عمر . والثالث: أن بهيمة الأنعام وحشيها كالظباء وبقر الوحش ، ولا يدخل فيها الحافر ، لأنه مأخوذ من نعمة الوطء. قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله أي معالم الله ، مأخوذ من الإشعار وهو الإعلام. وفي شعائر الله خمسة تأويلات: أحدها: أنها مناسك الحج ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: أنها ما حرمه الله في حال الإحرام ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا. والثالث: أنها حرم الله ، وهو قول السدي . والرابع: أنها حدود الله فيما أحل وحرم وأباح وحظر ، وهو قول عطاء . والخامس: هي دين الله كله ، وهو قول الحسن ، كقوله تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [الحج: 22] أي دين الله. ولا الشهر الحرام أي لا تستحلوا القتال فيه ، وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه رجب مضر. [ ص: 7 ] والثاني: أنه ذو القعدة ، وهو قول عكرمة . والثالث: أنها الأشهر الحرم ، وهو قول قتادة . ولا الهدي ولا القلائد أما الهدي ففيه قولان: أحدهما: أنه كل ما أهداه من شيء إلى بيت الله تعالى. والثاني: أنه ما لم يقلد من النعم ، وقد جعل على نفسه ، أن يهديه ويقلده ، وهو قول ابن عباس . فأما القلائد ففيها ثلاثة أقاويل: أنها قلائد الهدي ، وهو قول ابن عباس ، وكان يرى أنه إذا قلد هديه صار محرما. والثاني: أنها قلائد من لحاء الشجر ، كان المشركون إذا أرادوا الحج قلدوها في ذهابهم إلى مكة ، وعودهم ليأمنوا ، وهذا قول قتادة . والثالث: أن المشركين كانوا يأخذون لحاء الشجر من الحرم إذا أرادوا الخروج منه ، فيتقلدونه ليأمنوا ، فنهوا أن ينزعوا شجر الحرم فيتقلدوه ، وهذا قول عطاء . ولا آمين البيت الحرام يعني ولا تحلوا قاصدين البيت الحرام ، يقال أممت كذا إذا قصدته ، وبعضهم يقول يممته ، كقول الشاعر


إني لذاك إذا ما ساءني بلد يممت صدر بعيري غيره بلدا



يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا فيه قولان: أحدهما: الربح في التجارة ، وهو قول ابن عمر . والثاني: الأجر ، وهو قول مجاهد ورضوانا يعني رضي الله عنهم بنسكهم. وإذا حللتم فاصطادوا وهذا وإن خرج مخرج الأمر ، فهو بعد حظر ، [ ص: 8 ] فاقتضى إباحة الاصطياد بعد الإحلال دون الوجوب. ولا يجرمنكم شنآن قوم في يجرمنكم تأويلان. أحدهما: لا يحملنكم ، وهو قول ابن عباس ، والكسائي ، وأبي العباس المبرد يقال:

جرمني فلان على بغضك

، أي حملني ، قال الشاعر:


ولقد طعنت أبا عيينة طعنة     جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا



والثاني: معناه ولا يكسبنكم ، يقال جرمت على أهلي ، أي كسبت لهم ، وهذا قول الفراء . وفي شنآن قوم تأويلان: أحدهما: معناه بغض قوم ، وهذا قول ابن عباس . والثاني: عداوة قوم ، وهو قول قتادة . وقال السدي : نزلت هذه الآية في الحطم بن هند البكري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلام تدعو؟ فأخبره ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنظرني حتى أشاور ، فخرج من عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد دخل بوجه كافر ، وخرج بقفا غادر فمر بسرح من سرح المدينة ، فاستقاه وانطلق وهو يرتجز ويقول: [ ص: 9 ]

لقد لفها الليل بسواق حطم     ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على ظهر وضم     باتوا نياما وابن هند لم ينم
بات يقاسيها غلام كالزلم     خدلج الساقين ممسوح القدم



ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد الهدي ، فاستأذن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه ، فنزلت هذه الآية حتى بلغ آمين البيت الحرام فقال له ناس من أصحابه: يا رسول الله خل بيننا وبينه ، فإنه صاحبنا ، فقال: إنه قد قلد .
ثم اختلفوا فيما نسخ من هذه الآية بعد إجماعهم على أن منها منسوخا على ثلاثة أقاويل: أحدهما: أن جميعها منسوخ ، وهذا قول الشعبي ، قال: لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية. والثاني: أن الذي نسخ منها " ولا الشهر الحرام ولا آمين البيت الحرام " وهذا قول ابن عباس ، وقتادة . والثالث: أن الذي نسخ منها ما كانت الجاهلية تتقلده من لحاء الشجر ، وهذا قول مجاهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية