صفحة جزء
إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار

قوله تعالى: إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وكثيرا من أصحابه غشيهم النعاس ببدر. قال سهل بن عبد الله: النعاس يحل في الرأس مع حياة القلب ، والنوم يحل في القلب بعد نزوله من الرأس ، فهوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ناموا فبشر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر فأخبر به أبا بكر. وفي امتنان الله تعالى عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان: أحدهما: قواهم بالاستراحة على القتال من الغد.

الثاني: أن أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم ، كما قال: الأمن منيم ، والخوف مسهر. [ ص: 300 ] وقوله تعالى: أمنة منه يعني به الدعة وسكون النفس من الخوف وفيه وجهان: أحدهما: أمنة من العدو.

الثاني: أمنة من الله سبحانه وتعالى. وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به لأن الله تعالى أنزل عليهم ماء السماء معونة لهم بثلاثة أمور: أحدها: الشرب وإن كانوا على ماء.

الثاني: وهو أخص أحواله بهم في ذلك المكان وهو أن الرمل تلبد بالماء حتى أمكن المسلمين القتال عليه. والثالث: ما وصفه الله تعالى به من حال التطهير. وفي تطهيرهم به وجهان: أحدهما: من وساوس الشيطان التي ألقى بها في قلوبهم الرعب ، قاله زيد بن أسلم. والثاني: من الأحداث والأنجاس التي نالتهم ، قاله الجمهور . قال ابن عطاء : أنزل عليهم ماء طهر به ظواهر أبدانهم ، وأنزل عليهم رحمة نقى بها سرائر قلوبهم. وإنما خصه الله تعالى بهذه الصفة لأمرين. أحدهما: أنها أخص صفاته. والثاني: أنها ألزم صفاته. ثم قال: ويذهب عنكم رجز الشيطان فيه قولان: أحدهما: وسوسته أن المشركين قد غلبوهم على الماء ، قاله ابن عباس . والثاني: كيده وهو قوله: ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة ، قاله ابن زيد . وليربط على قلوبكم يحتمل وجهين: أحدهما: ثقة بالنصر. والثاني: باستيلائهم على الماء. [ ص: 301 ] ويثبت به الأقدام فيه قولان: أحدهما: بالصبر الذي أفرغه الله تعالى حتى يثبتوا لعدوهم ، قاله أبو عبيدة . والثاني: تلبيد الرمل بالمطر الذي لا يثبت عليه قدم ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك . قوله عز وجل: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم معناه معينكم ويحتمل أن يكون معناه إني معكم في نصرة الرسول ، فتكون الملائكة لتثبيت المؤمنين ، والله تعالى متولي النصر بما ألقاه من الرعب في قلوب المشركين. فثبتوا الذين آمنوا فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: فثبتوهم بحضوركم معهم في الحرب. والثاني: بقتالكم معهم يوم بدر ، قاله الحسن . والثالث: بإخبارهم أنه لا بأس عليهم من عدوهم. سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب يعني الخوف ، ويحتمل أحد وجهين: إما أن يكون إلقاء الرعب بتخاذلهم ، وإما أن يكون بتكثير المسلمين في أعينهم. وفي ذلك وجهان: أحدهما: أنه قال ذلك للملائكة معونة لهم. والثاني: أنه قال ذلك له ليثبتوا به الذين آمنوا. فاضربوا فوق الأعناق فيه خمسة أقاويل: أحدها: فاضربوا الأعناق ، وفوق صلة زائدة في الكلام ، قاله عطية والضحاك . وقد روى المسعودي عن القاسم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله وإنما بعثت بضرب الأعناق وشد الوثاق . والثاني: معناه واضربوا الرؤوس فوق الأعناق ، قاله عكرمة . [ ص: 302 ] والثالث: فاضربوا على الأعناق. والرابع: فاضربوا على الأعناق. والخامس: فاضربوا فوق جلدة الأعناق. واضربوا منهم كل بنان يعني المفاصل من أطراف الأيدي والأرجل والبنان: أطراف الأصابع من اليدين والرجلين.

التالي السابق


الخدمات العلمية