1. الرئيسية
  2. تفسير الماوردي
  3. تفسير سورة طه
  4. تفسير قوله تعالى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى
صفحة جزء
فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما [ ص: 396 ] تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى

قوله تعالى: فلما أتاها يعني النار ، التي هو نور نودي يا موسى إني أنا ربك وفي هذا النداء قولان: أحدهما: أنه تفرد بندائه.

الثاني: أن الله أنطق النور بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه ، فصار نداء منه أعلمه به ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره فقدم تأديبه بقوله: فاخلع نعليك الآية. وفي أمره بخلعهما قولان: أحدهما: ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس ، قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وابن جريج. والثاني: لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت ، قاله كعب ، وعكرمة ، وقتادة. إنك بالواد المقدس فيه وجهان: أحدهما: أن المقدس هو المبارك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد. والثاني: أنه المطهر ، قاله قطرب ، وقال الشاعر:


وأنت وصول للأقارب مدره بريء من الآفات من مقدس



وفي طوى خمسة تأويلات: أحدها: أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلا فطواه ، قاله ابن عباس .

الثاني: سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين. وطوى في كلامهم بمعنى مرتين ؛ لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها.

الثالث: بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين ، قاله الحسن.

[ ص: 397 ] الرابع: أن معنى طوى: طأ الوادي بقدمك ، قاله مجاهد .

الخامس: أنه الاسم للوادي قديما ، قاله ابن زيد: فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي. قوله تعالى: وأقم الصلاة لذكري فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: وأقم الصلاة لتذكرني فيها ، قاله مجاهد . والثاني: وأقم الصلاة بذكري ؛ لأنه لا يدخل في الصلاة إلا بذكره.

الثالث: وأقم الصلاة حين تذكرها ، قاله إبراهيم. وروى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها) قال تعالى: وأقم الصلاة لذكري قوله تعالى: أكاد أخفيها فيه أربعة تأويلات: أحدها: أي لا أظهر عليها أحدا ، قاله الحسن ، ويكون أكاد بمعنى أريد.

الثاني: أكاد أخفيها من نفسي ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وهي كذلك في قراءة أبي (أكاد أخفيها من نفسي) ويكون المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها. وتقديره: إذا كنت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك؟ الثالث: معناه أن الساعة آتية أكاد. انقطع الكلام عند أكاد وبعده مضمر: أكاد آتي بها تقريبا لورودها ، ثم استأنف: أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. قاله الأنباري ، ومثله قول ضابئ البرجمي:


هممت ولم أفعل وكدت وليتني     تركت على عثمان تبكي حلائله



[ ص: 398 ] أي كدت أن أقتله ، فأضمره لبيان معناه.

الرابع: أن معنى - أخفيها: أظهرها ، قاله أبو عبيدة وأنشد:


فإن تدفنوا الداء لا نخفيه     وإن تبعثوا الحرب لا نقعد



يقال أخفيت الشيء أي أظهرته وأخفيته إذا كتمته ، كما يقال أسررت الشيء إذا كتمته ، وأسررته إذا أظهرته. وفي قوله: وأسروا الندامة وجهان: أحدهما: أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع الذين أضلوهم. والثاني: أسر الرؤساء الندامة. قال الشاعر:


ولما رأى الحجاج أظهر سيفه     أسر الحروري الذي كان أضمرا



لتجزى كل نفس بما تسعى فيه وجهان: أحدهما: أنه على وجه القسم من الله ، إن كل نفس تجزى بما تسعى.

الثاني: أنه إخبار من الله أن كل نفس تجزى بما تسعى. قوله عز وجل: فتردى فيه وجهان: أحدهما: فتشقى.

الثاني: فتنزل.

التالي السابق


الخدمات العلمية