صفحة جزء
قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء الآية .

أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها . قال : أحمر وأصفر، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ، أي : جبال حمر وغرابيب سود . والغربيب : الأسود . يعني لونه؛ كما اختلف ألوان هذه الجبال [ ص: 276 ] وألوان الناس والدواب والأنعام كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء . قال : كان يقال : كفى بالرهبة علما .

وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : ثمرات مختلفا ألوانها قال : الأبيض والأحمر والأسود . وفي قوله : ومن الجبال جدد . قال : طرائق، يعني الألوان .

وأخرج البزار عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أيصبغ ربك؟ قال : نعم، صبغا لا ينفض، أحمر، وأصفر، وأبيض .

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : جدد . قال : طرائق، طريقة بيضاء، وطريقة خضراء، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول :


قد غادر النسع في صفحاتها جددا كأنها طرق لاحت على أكم



وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله : ومن الجبال جدد بيض [ ص: 277 ] قال : طرائق بيض وغرابيب سود قال : جبال سود .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الغربيب : الأسود الشديد السواد .

وأخرج ابن المنذر ، من طريق ابن جريج ، عن ابن عباس في قوله : ثمرات مختلفا ألوانها قال : منها الأحمر والأبيض والأخضر والأسود، وكذلك ألوان الناس منهم الأحمر والأسود والأبيض، وكذلك الدواب والأنعام .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله : ومن الجبال جدد قال : طرائق تكون في الجبل بيض وحمر، فتلك الجدد وغرابيب سود . قال : جبال سود، ومن الناس والدواب والأنعام الآية، قال : كذلك اختلاف الناس والدواب والأنعام كاختلاف الجبال، ثم قال : إنما يخشى الله من عباده العلماء فلا فصل لما قبلها .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : ومن الجبال جدد بيض قال : طرائق مختلفة، كذلك اختلاف ما ذكر من اختلاف ألوان الناس والدواب [ ص: 278 ] والأنعام؛ كذلك كما اختلف هذه الألوان تختلف الناس في خشية الله كذلك .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيته بينك وبين معصيته فتلك خشيته .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الخشية والإيمان والطاعة والتشتت في الألوان .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : إنما يخشى الله من عباده العلماء . قال : العلماء بالله الذين يخافونه .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : إنما يخشى الله من عباده العلماء قال : الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن عدي والطبراني عن ابن مسعود قال : ليس العلم من كثرة الحديث، ولكن العلم من الخشية .

[ ص: 279 ] وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير قال : العالم من خشي الله .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل في قوله : إنما يخشى الله من عباده العلماء قال : أعلمهم بالله أشدهم له خشية .

وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق سفيان عن أبي حيان التيمي، عن رجل قال : كان يقال : العلماء ثلاثة، عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله، فالعالم بالله وبأمر الله : الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض، والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله : الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض، والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله : الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى الله .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن عدي عن مالك بن أنس قال : إن العلم ليس بكثرة الرواية إنما العلم نور يجعله الله في القلب .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : الإيمان من خشي الله بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما أسخط الله، ثم تلا : إنما يخشى الله من عباده العلماء .

وأخرج عبد بن حميد عن مسروق قال : كفى بالمرء علما أن يخشى الله، [ ص: 280 ] وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد"، وعبد بن حميد والطبراني عن ابن مسعود قال : كفى بخشية الله علما، وكفى باغترار بالله جهلا .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد عن مجاهد قال : الفقيه من يخاف الله .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد" عن العباس العمي قال : بلغني أن داود عليه السلام قال : سبحانك تعاليت فوق عرشك وجعلت خشيتك على من في السماوات والأرض، فأقرب خلقك إليك أشدهم لك خشية، وما علم من لم يخشك؟ أو ما حكمة من لم يطع أمرك .

وأخرج أحمد في "الزهد" عن ابن مسعود قال : ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية .

وأخرج ابن أبي شيبة ، والحكيم الترمذي عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العلم علمان، علم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلم على [ ص: 281 ] اللسان، فتلك حجة الله على عباده .

وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال : بحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود قال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون صخابا، ولا صياحا ولا حديدا .

وأخرج الخطيب في "المتفق والمفترق" عن وهب بن منبه قال : أقبلت مع [ ص: 282 ] عكرمة أقود ابن عباس بعدما ذهب بصره حتى دخل المسجد الحرام، فإذا قوم يمترون في حلقة لهم عند باب بني شيبة فقال : أمل بي إلى حلقة المراء، فانطلقنا به حتى أتاهم فسلم عليهم، فأرادوه على الجلوس فأبى عليهم وقال : انتسبوا إلي أعرفكم فانتسبوا إليه، فقال : أما علمتم أن لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم، إنهم لهم الفصحاء النطقاء النبلاء العلماء بأيام الله غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله طاشت من ذلك عقولهم، وانكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم، حتى إذا استقاموا من ذلك سارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية، فأين أنتم منهم؟ ثم تولى عنهم فلم ير فيها بعد ذلك رجلان .

وأخرج الخطيب فيه أيضا عن سعيد بن المسيب قال : وضع عمر بن الخطاب للناس ثماني عشرة كلمة حكم كلها، قال : ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، وعليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء عدة في البلاء، [ ص: 283 ] وعليك بالصدق وإن قتلك، ولا تعرض فيما لا يعني، ولا تسأل عما لم يكن؛ فإن فيما كان شغلا عما لم يكن، ولا تطلبن حاجتك إلى من لا يحب نجاحها لك، ولا تهاون بالحلف الكاذب فيهلكك الله ولا تصحب الفجار لتعلم من فجورهم، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله، وتخشع عند القبور، وذل عند الطاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر في أمرك الذين يخشون الله؛ فإن الله تعالى يقول : إنما يخشى الله من عباده العلماء .

وأخرج عبد بن حميد عن مكحول قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العالم والعابد فقال : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية : إنما يخشى الله من عباده العلماء ، ثم قال : إن الله وملائكته وأهل السماء وأهل الأرض، والنون في البحر ليصلون على معلمي الخير .

التالي السابق


الخدمات العلمية