صفحة جزء
قوله تعالى : واذكر عبدنا أيوب الآيات .

أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة : واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب قال : ذهاب الأهل والمال والضر الذي أصابه في جسده، قال : ابتلي سبع سنين وأشهرا ملقى على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر وأحسن .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر عن قتادة في قوله : بنصب وعذاب قال : بنصب الضر في الجسد وعذاب قال : في المال .

وأخرج أحمد في "الزهد"، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن ابن عباس ، أن الشيطان عرج إلى السماء فقال : يا رب سلطني على أيوب قال الله : قد سلطتك على ماله وولده، ولم أسلطك على جسده، فنزل فجمع جنوده فقال [ ص: 597 ] لهم : قد سلطت على أيوب فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء فبينما هم بالمشرق إذا هو بالمغرب وبينما هم بالمغرب إذا هو بالمشرق فأرسل طائفة منهم إلى زرعه وطائفة إلى إبله وطائفة إلى بقره وطائفة إلى غنمه، وقال : إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارا فأحرقته؟ ثم جاءه صاحب الإبل فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على إبلك عدوا فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب البقر فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدوا فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب الغنم فقال : يا أيوب ألم تر ربك أرسل على غنمك عدوا فذهب بها؟ وتفرد هو لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح، فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام بأذنيه قرطان فقال : يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم؟ فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم .

[ ص: 598 ] فقال له أيوب : فأين كنت أنت؟ قال : كنت معهم . قال : فكيف انفلت؟ قال : انفلت . قال أيوب : أنت الشيطان . ثم قال أيوب : أنا اليوم كيوم ولدتني أمي . فقام فحلق رأسه وقام يصلي فرن إبليس رنة سمعها أهل السماء وأهل الأرض، ثم عرج إلى السماء فقال : أي رب، إنه قد اعتصم، فسلطني عليه، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك . قال : قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه .

فنزل فنفخ تحت قدميه نفخة فرج ما بين قدميه إلى قرنه فصار فرجة واحدة، وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه، فكانت امرأته تسعى عليه حتى قالت له : أما ترى يا أيوب؛ قد نزل بي والله من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف، فأطعمتك فادع الله أن يشفيك ويريحك . قال : ويحك، كنا في النعمة سبعين عاما، فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاما . فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل ذات يوم، فأخذ بيده ثم قال : قم . [ ص: 599 ] فقام فنحاه عن مكانه وقال : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض برجله، فنبعت عين، فقال : اغتسل، فاغتسل منها، ثم جاء أيضا فقال : اركض فركض برجله فنبعت عين أخرى، فقال له : اشرب منها . وهو قوله : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب وألبسه الله حلة من الجنة، فتنحى أيوب فجلس في ناحية، وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت : يا عبد الله أين المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب؟ وجعلت تكلمه ساعة، فقال : ويحك، أنا أيوب قد رد الله علي جسدي، ورد عليه ماله وولده عيانا ومثلهم معهم، وأمطر عليهم جرادا من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه، وينشر كساءه ويأخذه فيجعل فيه، فأوحى الله إليه : يا أيوب أما شبعت؟ قال : يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك .

وأخرج أحمد في "الزهد"، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال : إن إبليس قعد على الطريق واتخذ تابوتا يداوي الناس فقالت امرأة أيوب : يا عبد الله إن ههنا مبتلى من أمره كذا وكذا، فهل لك أن تداويه؟ قال : نعم، بشرط إن أنا شفيته أن يقول : أنت شفيتني لا أريد منه أجرا غيره، فأتت أيوب فذكرت ذلك له، قال : ويحك، ذاك الشيطان لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة . فلما شفاه الله أمره أن يأخذ [ ص: 600 ] ضغثا فيضربها بها فأخذ عذقا فيه مائة شمراخ فضربها به ضربة واحدة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن نوف البكالي، قال : الشيطان الذي مس أيوب يقال له : مسوط، فقالت امرأة أيوب : ادع الله يشفيك فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل، فقال بعضهم لبعض : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه فعند ذلك قال : أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [الأنبياء : 83 ] .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : اركض برجلك قال : اضرب برجلك هذا الماء مغتسل قال : يغسل عنك المرض .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب قال : ركض برجله اليمنى فنبعت عين، وضرب بيده اليمنى خلف ظهره فنبعت عين فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة قال : ضرب برجله الأرض، [ ص: 601 ] يقال لها : الجابية فإذا عينان ينبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن الحسن أن نبي الله أيوب لما اشتد به البلاء إما دعا وإما عرض بالدعاء فأوحى الله إليه أن اركض برجلك فنبعت عين فاغتسل منها فذهب ما به، ثم مشى أربعين ذراعا، ثم ضرب برجله فنبعت عين فشرب منها .

وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة قال : إن أيوب نبي الله لما أصابه الذي أصابه، قال إبليس : يا رب ما يبالي أيوب أن تعطيه أهله ومثلهم معهم، وتخلف له ماله سلطني على جسده . قال : اذهب فقد سلطتك على جسده، وإياك يا خبيث ونفسه . قال : فنفخ فيه نفخة فسقط لحمه، فلما أعياه صرخ صرخة اجتمعت إليه جنوده، فقالوا : يا سيدنا ما أغضبك؟ فقال : لم لا أغضب إني أخرجت آدم من الجنة، وإن ابنه هذا الضعيف قد غلبني . فقال المذهب : يا سيدنا ما فعلت امرأته؟ فقال : حية . فقال : أما هي فقد كفيتك أمرها . فقال [ ص: 602 ] له : فإن أطلقتها فقد أصبت وإلا فأعطه المقادة، فجاء إليها فاستزلها فأتت أيوب فقالت له : يا أيوب إلى متى هذا البلاء؟ كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك فقال لها : فعلتها أنت أيضا؟ ثم قال لها : أما والله لئن عافاني الله لأجلدنك مائة جلدة . فقال : رب إن الشيطان مسني بنصب وعذاب، فأتاه جبريل فقال له : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب . فرجع إليه حسنه وشبابه، ثم جلس على تل من تراب، فجاءته امرأته بطعامه، فلم تر له أثرا، فقالت لأيوب وهو على التل : يا عبد الله هل رأيت مبتلى كان ههنا أتدري ما فعل؟ فقال لها : إن رأيته تعرفينه؟ فدارت فلم تره، فرجعت إليه فقالت : يا عبد الله هل رأيت مبتلى كان ههنا؟ فقال لها : إن رأيته تعرفينه؟ فقالت له : لعلك أنت هو؟ قال : نعم، فأوحى الله إليه أن خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث، قال : والضغث أن يأخذ الحزمة من السياط فيضرب بها الضربة الواحدة .

وأخرج أحمد في "الزهد" عن عبد الرحمن بن جبير قال : ابتلي أيوب بماله وولده وجسده حتى طرح في المزبلة، جعلت امرأته تخرج تكسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان ذلك، فكان يأتي أصحاب الخبز والشاء الذين [ ص: 603 ] كانوا يتصدقون عليها، فيقول : اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم؛ فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها، إنها تأتيكم وتغشاكم . فجعلوا لا يدنونها منهم ويقولون : تباعدي عنا ونحن نطعمك ولا تقربينا . فأخبرت بذلك أيوب فحمد الله على ذلك، وكان يلقاها إذا خرجت كالمتحزن بما لقي أيوب فيقول : لج صاحبك وأبى إلا ما أتى، والله لو تكلم بكلمة واحدة لكشف عنه كل ضر، ولرجع إليه ماله وولده، فتجيء فتخبر أيوب فيقول لها : لقيك عدو الله فلقاك هذا الكلام لئن أقامني الله من مرضي لأجلدنك مائة، فلذلك قال الله تعالى : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث يعني بالضغث القبضة من المكانس .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس : وخذ بيدك ضغثا قال : هو الأثل .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس : وخذ بيدك ضغثا قال : الضغث القبضة من الريحان الرطب .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس : وخذ بيدك ضغثا قال : [ ص: 604 ] حزمة .

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة في قوله : وخذ بيدك ضغثا قال : عودا فيه تسعة وتسعون عودا، والأصل تمام المائة، وذلك أن امرأته قال لها الشيطان : قولي لزوجك يقول : كذا وكذا، فقالت له، فحلف أن يضربها مائة، فضربها تلك الضربة فكانت تحلة ليمينه وتخفيفا عن امرأته .

وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أيوب حلف ليضربن امرأته مائة في أن جاءته بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه، وخشي أن تكون قارفت شيئا من الخيانة، فلما رحمه الله وكشف عنه الضر علم براءة امرأته مما اتهمها به، فقال الله عز وجل : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث فأخذ ضغثا من ثمام وهو مائة عود، فضرب به كما أمر الله تعالى .

وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : وخذ بيدك ضغثا قال : هي لأيوب خاصة . وقال عطاء : هي للناس عامة .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك : وخذ بيدك ضغثا قال : جماعة من الشجر، وكانت لأيوب خاصة، وهي لنا عامة .

[ ص: 605 ] وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس في قوله : وخذ بيدك ضغثا ، وذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثا فيه مائة طاق من عيدان القت فيضرب به امرأته لليمين التي كان حلف عليها، قال : ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وابن المنذر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : حملت وليدة في بني ساعدة من زنى فقيل لها : ممن حملك؟ قالت : من فلان المقعد، فسئل المقعد فقال : صدقت . فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خذوا له عثكولا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة . ففعلوا .

وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير والطبراني ، وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة قال : كان بين أبياتنا إنسان ضعيف مخدج فلم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء أهل الدار يحنث بها، وكان مسلما فرفع سعد شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 606 ] فقال : اضربوه حده، فقالوا : يا رسول الله، إنه أضعف من ذلك إن ضربناه مائة قتلناه! قال : فخذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ، فاضربوه ضربة واحدة وخلوا سبيله .

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أن رجلا أصاب فاحشة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت، فأخبر أهله بما صنع، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة .

وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بشيخ أحبن مصفر قد ظهرت عروقه، قد زنى بامرأة فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية