صفحة جزء
[ ص: 402 ] سورة الممتحنة .

مدنية .

أخرج ابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال : نزلت سورة «الممتحنة» بالمدينة .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن الزبير، مثله .

قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي الآيات .

أخرج أحمد ، والحميدي، وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وأبو عوانة، وابن حبان ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وأبو نعيم معا في «الدلائل»، عن علي، قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ؛ فإن بها ظعينة، معها كتاب، فخذوه منها، فائتوني به» فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا : أخرجي الكتاب، قالت : [ ص: 403 ] ما معي من كتاب، قلنا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما هذا يا حاطب» قال : لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت - إذ فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «صدق» فقال عمر : دعني يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضرب عنقه، فقال : «إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ونزلت فيه : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة .

وأخرج أبو يعلى، وابن المنذر ، من طريق الحارث، عن علي، قال : لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي مكة أسر إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة، منهم [ ص: 404 ] حاطب بن أبي بلتعة، وأفشى في الناس أنه يريد خيبر، فكتب حاطب إلى أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يريدكم، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعثني أنا وأبا مرثد، فقال : «ائتوا روضة خاخ» فذكر نحو ما تقدم، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء .

وأخرج ابن المنذر ، وابن مردويه ، من طريق قتادة ، عن أنس في الآية قال : لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - السيرورة من الحديبية إلى مشركي قريش، كتب إليها حاطب بن أبي بلتعة يحذرهم، فأطلع الله على ذلك، فوجد الكتاب مع امرأة من مشركي قريش في قرن من رأسها، فقال له : «ما حملك على الذي صنعت»؟ قال : أما والله ما ارتبت في أمر الله ولا شككت فيه، ولكنه كان لي بها أهل ومال، فأردت مصانعة قريش، وكان حليفا لهم، ولم يكن منهم، فأنزل الله فيه القرآن : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم إلى آخر الآية، قال : نزلت في رجل كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة من قريش، كتب إلى أهله وعشيرته بمكة، يخبرهم وينذرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائر إليهم، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بصحيفته، فبعث علي بن أبي طالب، فأتاه بها .

[ ص: 405 ] وأخرج أبو يعلى، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والضياء في «المختارة» عن عمر بن الخطاب قال : كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين بكتاب، فجيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : «يا حاطب، ما دعاك إلى ما صنعت»؟ قال : يا رسول الله كان أهلي فيهم فخشيت أن يصرموا عليهم، فقلت : أكتب كتابا لا يضر الله ورسوله، فقلت : أضرب عنقه يا رسول الله فقد كفر؟ فقال : «وما يدريك يا ابن الخطاب أن يكون الله اطلع على أهل هذه العصابة من أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» .

وأخرج ابن مردويه ، من طريق ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، وحاطب رجل من أهل اليمن، كان حليفا للزبير بن العوام من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدرا، وكان بنوه وإخوته بمكة، فكتب حاطب وهو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة إلى كفار قريش بكتاب ينتصح لهم فيه، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا والزبير فقال لهما : «انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فخذا الكتاب فائتياني به» فانطلقا حتى أدركا المرأة بحليفة بني أحمد، وهي من المدينة على قريب من اثني عشر ميلا، فقالا لها : أعطينا الكتاب الذي معك، قالت : ليس معي كتاب، قالا كذبت، قد حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معك كتابا، والله لتعطين الكتاب الذي معك أو لا نترك عليك ثوبا إلا التمسنا فيه، قالت : أولستم بناس مسلمين؟ قالا : بلى، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حدثنا أن معك كتابا، حتى إذ ظنت أنهما ملتمسان كل ثوب [ ص: 406 ] معها حلت عقاصها فأخرجت لهما الكتاب من بين قرون رأسها، كانت قد اعتقصت عليه، فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطبا قال : «أنت كتبت هذا الكتاب»؟ قال : نعم، قال : «فما حملك على أن تكتب به»؟ قال حاطب : أما والله ما ارتبت منذ أسلمت في الله عز وجل، ولكني كنت امرأ غريبا فيكم أيها الحي من قريش، وكان لي بنون وإخوة بمكة، فكتبت إلى كفار قريش بهذا الكتاب لكي أدفع عنهم، فقال عمر : ائذن لي يا رسول الله أضرب عنقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «دعه؛ فإنه قد شهد بدرا، وإنك لا تدري لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فإني غافر لكم ما عملتم»، فأنزل الله في ذلك : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة حتى بلغ : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .

وأخرجه عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن عروة، مرسلا .

وأخرج ابن مردويه ، عن أنس قال : أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس يوم فتح مكة إلا أربعة : عبد العزى بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأم سارة، فذكر الحديث، قال : وأما أم سارة فإنها كانت مولاة لقريش، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكت إليه الحاجة، فأعطاها شيئا، ثم أتاها رجل فبعث معها بكتاب إلى أهل مكة يتقرب بذلك إليها لحفظ عياله [ ص: 407 ] وكان له بها عيال، فأخبر جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم – بذلك، فبعث في أثرها عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، فلحقاها في الطريق ففتشاها، فلم يقدرا على شيء معها، فأقبلا راجعين، ثم قال أحدهما لصاحبه : والله ما كذبنا، ولا كذبنا، ارجع بنا إليها، فرجعا إليها، فسلا سيفيهما، فقالا : والله لنذيقنك الموت أو لتدفعن إلينا الكتاب، فأنكرت، ثم قالت : أدفعه إليكما على ألا ترداني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبلا ذلك منها، فحلت عقاص رأسها، فأخرجت الكتاب من قرن من قرونها، فدفعته إليهما، فرجعا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعاه إليه، فدعا الرجل فقال : «ما هذا الكتاب» فقال : أخبرك يا رسول الله أنه ليس من رجل ممن معك إلا وله بمكة من يحفظه في عياله، فكتبت بهذا الكتاب ليكونوا لي في عيالي، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآيات .

وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن قال : كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين كتابا، يذكر فيه مسير النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث به مع امرأة، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبها، فأخذ الكتاب منها، فجيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا حاطبا فقال : «أنت كتبت هذا الكتاب»؟ قال : نعم يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله، وما كفرت منذ أسلمت، ولا شككت منذ استيقنت، ولكني كنت امرأ لا نسب لي في القوم، إنما كنت حليفهم، وفي أيديهم من أهلي ما قد علمت، فكتبت إليهم بشيء قد علمت أن لن يغني عنهم من الله شيئا أراده، أن [ ص: 408 ] أدرأ به عن أهلي ومالي، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله خل عني وعن عدو الله هذا المنافق فأضرب عنقه، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرا عرف عمر أنه قد غضب، ثم قال : «ويحك يا ابن الخطاب، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل موطن من مواطن الخير فقال للملائكة : اشهدوا أني قد غفرت لأعبدي هؤلاء فليعملوا ما شاءوا» قال عمر : الله ورسوله أعلم، قال : «إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر، إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر، إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر» .

وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، عن جابر، أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة، يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد غزوهم، فدل النبي - صلى الله عليه وسلم - على المرأة التي معها الكتاب، فأرسل إليها، فأخذ كتابها من رأسها، فقال : «يا حاطب أفعلت»؟ قال : نعم، أما إني لم أفعله غشا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نفاقا، قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له، غير أني كنت غريبا بين ظهرانيهم، وكانت والدتي معهم، فأردت أن أتخذ بها عندهم، فقال له عمر : ألا أضرب رأس هذا؟ قال : «أتقتل رجلا من أهل بدر! وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم» .

وأخرج عبد بن حميد ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، عن جابر أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشتكي حاطبا، فقال : يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كذبت لا يدخلها؛ فإنه قد [ ص: 409 ] شهد بدرا والحديبية» .

وأخرج ابن مردويه ، عن سعيد بن جبير قال : اسم الذي أنزلت فيه : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء حاطب بن أبي بلتعة .

وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يحذرهم سيرورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال له نبي الله : «ما حملك على الذي صنعت»؟ قال : أما والله ما شككت في أمري، ولا ارتبت فيه، ولكن كان لي هناك مال وأهل فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي، وذكر لنا أنه كان حليفا لقريش، ولم يكن من أنفسهم، فأنزل الله القرآن، وقال : إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء إلى قوله : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك قال : يقول : فلا تأسوا في ذلك؛ فإنها كانت موعدة وعدها إياه، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا يقول : لا تظهرهم علينا فيفتنوا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا أنهم أولى بالحق منا .

وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله : لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إلى قوله بما تعملون بصير قال : في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم، وفي قوله إلا قول إبراهيم [ ص: 410 ] لأبيه قال : نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا للمشركين، وفي قوله : ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا قال : لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك؛ فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا .

وأخرج ابن المنذر ، والحاكم وصححه، من طريق مجاهد ، عن ابن عباس : لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إلى قوله : بصير في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم .

وقوله : إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه، وقوله : ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك؛ فيقولون : لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا .

وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : قد كانت لكم أسوة حسنة قال : في صنع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه، لا يستغفر له وهو مشرك .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : لا تجعلنا فتنة للذين كفروا يقول : لا تسلطهم علينا فيفتنونا .

التالي السابق


الخدمات العلمية