صفحة جزء
قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق الآية .

أخرج البخاري ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : «يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا» .

وأخرج ابن منده في «الرد على الجهمية» عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يوم يكشف عن ساق قال : «يكشف الله عز وجل عن ساقه» .

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن منده عن ابن [ ص: 643 ] مسعود في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن ساقيه تبارك وتعالى، قال ابن منده : هكذا في قراءة ابن مسعود : (يكشف) بفتح الياء وكسر الشين .

وأخرج أبو يعلى، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» وضعفه، وابن عساكر ، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن نور عظيم، فيخرون له سجدا .

وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن منده والبيهقي في «الأسماء والصفات» من طريق إبراهيم النخعي في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : قال ابن عباس : يكشف عن أمر عظيم، ثم قال : قد قامت الحرب على ساق .

قال : وقال ابن مسعود : يكشف عن ساقه فيسجد كل مؤمن، ويقسو ظهر الكافر، فيصير عظما واحدا .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه [ ص: 644 ] والبيهقي في «الأسماء والصفات» من طريق عكرمة، عن ابن عباس ، أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر؛ فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر :


اصبر عناق إنه شبراق

قد سن لي قومك ضرب الأعناق

    وقامت الحرب بنا على ساق



قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة .

وأخرج الطستي في «مسائله»، عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن شدة الآخرة، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت قول الشاعر :


قد قامت الحرب بنا على ساق



وأخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الأسماء والصفات»، عن ابن عباس : يوم يكشف عن ساق قال : هو الأمر الشديد المفظع من [ ص: 645 ] الهول يوم القيامة .

وأخرج ابن منده، عن ابن عباس في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن شدة الآخرة .

وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن منده، عن مجاهد في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن شدة الأمر وجده، قال : وكان ابن عباس يقول : هي أشد ساعة تكون يوم القيامة .

وأخرج البيهقي في «الأسماء والصفات»، عن ابن عباس ، أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق قال : يريد القيامة والساعة لشدتها .

وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة، وكشف الأمر عنه .

وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن منده، من طريق [ ص: 646 ] عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس يقرأ : (يوم تكشف عن ساق) بالتاء مفتوحة، قال أبو حاتم السجستاني : أي تكشف الآخرة عن ساق، يستبين منها ما هو غائب .

وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق بالياء ورفع الياء .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن عكرمة، أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق قال : إن العرب كانوا إذا اشتد القتال فيهم والحرب، وعظم الأمر فيهم قالوا لشدة ذلك : قد كشفت الحرب عن ساق، فذكر الله تعالى شدة ذلك اليوم بما يعرفون .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عكرمة في قوله : يوم يكشف عن ساق . قال : هي ستور رب العزة، إذا كشفت للمؤمنين يوم القيامة .

[ ص: 647 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير ، أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق فغضب غضبا شديدا، وقال : إن أقواما يزعمون أن الله يكشف عن ساقه، وإنما يكشف عن الأمر الشديد .

وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال : هم الكفار يدعون في الدنيا وهم آمنون، فاليوم يدعون وهم خائفون، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فإنه قال : ما كانوا يستطيعون السمع وهي طاعته، وما كانوا يبصرون [هود : 20] وأما في الآخرة فإنه قال : فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم

وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد في الآية قال : أخبرنا أن بين كل مؤمنين يومئذ منافقا، فيسجد المؤمنان، ويقسو ظهر المنافق، فلا يستطيعون السجود، ويزدادون بسجود المؤمنين توبيخا وحسرة وندامة .

وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد : يوم يكشف عن ساق قال : عن بلاء عظيم .

وأخرج عبد بن حميد ، عن إبراهيم النخعي : يوم يكشف عن ساق قال : عن أمر عظيم الشدة .

[ ص: 648 ] وأخرج عبد بن حميد ، عن الربيع بن أنس : يوم يكشف عن ساق قال : عن الغطاء، فيقع من كان آمن به في الدنيا فيسجدون له، ويدعى الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون؛ لأنهم لم يكونوا آمنوا به في الدنيا، ولا يبصرونه، ولا يستطيعون السجود، وهم سالمون في الدنيا .

وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن أمر فظيع جليل، ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون قال : ذلكم يوم القيامة، ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : «يؤذن للمؤمنين يوم القيامة في السجود فيسجد المؤمنون، وبين كل مؤمنين منافق، فيقسو ظهر المنافق عن السجود، ويجعل الله سجود المؤمنين عليهم توبيخا، وصغارا، وذلا، وندامة، وحسرة» .

وفي قوله : وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال : في الدنيا .

وأخرج ابن مردويه ، عن كعب الأحبار قال : والذي أنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والفرقان على محمد لنزلت هذه الآيات في الصلوات المكتوبات حيث ينادى بهن : يوم يكشف عن ساق إلى قوله : وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون الصلوات الخمس إذا نودي بها .

وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن سعيد بن جبير في قوله : وقد كانوا يدعون إلى السجود قال : الصلوات في الجماعات .

[ ص: 649 ] وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس في قوله : وقد كانوا يدعون إلى السجود قال : الرجل يسمع الأذان فلا يجيب الصلاة .

وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يجمع الله الخلق يوم القيامة ثم ينادي مناد : من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع كل قوم ما كانوا يعبدون، فيبقى المسلمون وأهل الكتاب، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : الله وموسى، فيقال لهم : لستم من موسى وليس موسى منكم، فيصرف بهم ذات الشمال، ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : الله وعيسى، فيقال لهم : لستم من عيسى وليس عيسى منكم، ثم يصرف بهم ذات الشمال، ويبقى المسلمون، فيقال لهم : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : الله، فيقال لهم : هل تعرفونه؟ فيقولون : إن عرفنا نفسه عرفناه، فعند ذلك يؤذن لهم في السجود، بين كل مؤمنين منافق، فتقسو ظهورهم عن السجود» ثم قرأ هذه الآية : ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون .

وأخرج إسحاق بن راهويه في «مسنده»، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا، والطبراني ، والآجري في «الشريعة» والدارقطني في «الرؤية» والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في «البعث» عن عبد الله بن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «يجمع الله الناس يوم القيامة، وينزل الله في ظلل من الغمام، فينادي مناد : يا أيها الناس، ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يولي كل إنسان منكم ما كان يعبد في الدنيا ويتولى، أليس ذلك من ربكم [ ص: 650 ] عدلا؟ قالوا : بلى .

قال : فينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا، ويتمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا، ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، حتى يمثل لهم الشجرة والعود والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثوما، فيتمثل لهم الرب عز وجل فيقول لهم : ما لكم لم تنطلقوا كما انطلق الناس؟ فيقولون : إن لنا ربا ما رأيناه بعد، فيقول : فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا : بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قال : وما هي؟ قالوا :
يكشف عن ساق فيكشف عند ذلك عن ساق، فيخر كل من كان يسجد طائعا ساجدا، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، ثم يؤمرون فيرفعون رءوسهم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر ذلك من يعطى نوره على إبهام قدميه، يضيء مرة ويطفأ مرة، فإذا أضاء قدم قدمه، وإذا طفئ قام فيمر، ويمرون على الصراط، والصراط كحد السيف، دحض مزلة، فيقال لهم : انجوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر [ ص: 651 ] كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الرحل، ويرمل رملا، يمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، يجر يدا ويعلق يدا، ويجر رجلا ويعلق رجلا، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون، فإذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد الذي أراناك، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا، فينطلقون إلى ضحضاح عند باب الجنة فيغتسلون، فيعود إليهم ريح أهل الجنة وألوانهم، ويرون من خلل باب الجنة وهو مصفق منزلا في أدنى الجنة، فيقولون : ربنا أعطنا ذلك المنزل، فيقول لهم : أتسألون الجنة وقد نجيتكم من النار؟! فيقولون : ربنا أعطنا، اجعل بيننا وبين النار هذا الباب، لا نسمع حسيسها .

فيقول لهم : لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوا غيره، فيقولون : لا وعزتك لا نسأل غيره، وأي منزل يكون أحسن منه؟! قال : فيدخلون الجنة، ويرفع لهم منزل أمام ذلك، كأن الذي رأوا قبل ذلك حلم عنده، فيقولون : ربنا أعطنا ذلك المنزل .

فيقول : لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره، فيقولون : لا وعزتك لا نسأل غيره، وأي منزل أحسن منه؟! فيعطونه، ثم يرفع لهم أمام ذلك منزل آخر، كأن الذي أعطوه قبل ذلك حلم عند الذي رأوا، فيقولون : ربنا أعطنا [ ص: 652 ] ذلك المنزل .

فيقول : لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره، فيقولون : لا وعزتك لا نسأل غيره، وأي منزل أحسن منه؟! ثم يسكتون، فيقال لهم : ما لكم لا تسألون؟ فيقولون : ربنا قد سألناك حتى استحيينا، فيقال لهم : ألم ترضوا أن أعطيكم مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها؟ فيقولون : أتستهزئ بنا وأنت رب العالمين»؟

قال مسروق : فلما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديث ضحك، وقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثه مرارا، فما بلغ هذا المكان من الحديث إلا ضحك حتى تبدو لهواته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه؛ لقول الإنسان .

«قال : فيقول : لا، ولكني على ذلك قادر فسلوني، قالوا : ربنا ألحقنا بالناس، فيقال لهم : الحقوا الناس، فينطلقون يرملون في الجنة، حتى يبدو للرجل منهم في الجنة قصر، درة مجوفة، فيخر ساجدا، فيقال له : ارفع رأسك، فيرفع رأسه فيقول : رأيت ربي! فيقال له : إنما ذلك منزل من منازلك، فينطلق، فيستقبله رجل، فيتهيأ للسجود فيقال له : ما لك؟ فيقول : رأيت ملكا! فيقال له : إنما ذلك قهرمان من قهارمتك، عبد من عبيدك، فيأتيه فيقول : إنما أنا قهرمان من قهارمتك على هذا القصر، تحت يدي ألف قهرمان، كلهم على ما أنا عليه، فينطلق به عند ذلك حتى يفتح له القصر، وهي درة مجوفة، سقائفها وأغلاقها وأبوابها ومفاتيحها منها، قال : فيفتح له القصر، فتستقبله جوهرة [ ص: 653 ] خضراء، مبطنة بحمراء، سبعون ذراعا، فيها ستون بابا، كل باب يفضي إلى جوهرة على غير لون صاحبتها، في كل جوهرة سرر وأزواج ونصائف، أو قال : ووصائف .

فيدخل فيه، فإذا هو بحوراء عيناء عليها سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته، وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك، وإذا أعرضت عنه إعراضة ازداد في عينها سبعين ضعفا عما كان قبل ذلك، فتقول : لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا، ويقول لها مثل ذلك، قال : فيشرف على ملكه مد بصره، مسيرة مائة عام» .

قال : فقال عمر بن الخطاب عند ذلك : ألا تسمع يا كعب ما يحدثنا به ابن أم عبد عن أدنى أهل الجنة ما له، فكيف بأعلاهم؟! فقال : يا أمير المؤمنين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، إن الله كان فوق العرش والماء فخلق لنفسه دارا بيده فزينها بما شاء، وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها، لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قرأ كعب : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين الآية، [السجدة : 17] وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء، وجعل فيهما ما ذكر من الحرير والسندس والإستبرق، وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة، فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم يبق خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، حتى إنهم ليستنشقون ريحه، ويقولون : واها لهذه الريح الطيبة، ويقولون : لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين، فقال [ ص: 654 ] عمر : ويحك يا كعب، إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها، فقال كعب : يا أمير المؤمنين، إن لجهنم زفرة ما من ملك ولا نبي إلا يخر لركبته، حتى يقول إبراهيم خليل الله : رب نفسي نفسي، وحتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أن لن تنجو منها .


وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصححه، والبيهقي في «البعث والنشور»، عن ابن مسعود، أنه ذكر عنده الدجال فقال : يفترق الناس ثلاث فرق؛ فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشيخ، وفرقة تأخذ شط الفرات فيقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام، فيبعثون إليه طليعة فيهم فارس على فرس أشقر أو أبلق، فيقتلون لا يرجع إليهم شيء، ثم إن المسيح ينزل فيقتله .

ثم يخرج يأجوج ومأجوج، فيموجون في الأرض، فيفسدون فيها، ثم قرأ عبد الله : وهم من كل حدب ينسلون [الأنبياء : 96] ثم يبعث الله عليهم دابة مثل هذه النغفة، فتدخل في أسماعهم ومناخرهم، فيموتون منها، فتنتن الأرض منهم، فيجأر أهل الأرض إلى الله، فيرسل الله ماء فيطهر الأرض منهم، ثم يبعث ريحا فيها زمهرير؛ باردة فلا تدع على وجه الأرض مؤمنا إلا كفئت بتلك [ ص: 655 ] الريح، ثم تقوم الساعة على شرار الناس، ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه، فلا يبقى خلق لله في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربك، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا وفي الأرض منه شيء، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، منيا كمني الرجال، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ عبد الله : والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور [فاطر : 9] .

ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها حتى تدخل فيه، فيقومون فيجيئون مجيئة رجل واحد قياما لرب العالمين، ثم يتمثل الله للخلق فيلقاهم، فليس أحد من الخلق يعبد من دون الله شيئا إلا هو مرتفع له يتبعه، فيلقى اليهود فيقول : ما تعبدون؟ فيقولون : نعبد عزيرا، فيقول : هل يسركم الماء؟ قالوا : نعم، فيريهم جهنم كهيئة السراب، ثم قرأ عبد الله : وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا [الكهف : 100] .

ثم يلقى النصارى فيقول : ما كنتم تعبدون؟ قالوا : المسيح، فيقول : هل يسركم الماء؟ قالوا : نعم، فيريهم جهنم كهيئة السراب، وكذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا، ثم قرأ عبد الله : وقفوهم إنهم مسؤولون [الصافات : 24] حتى يمر المسلمون، فيلقاهم فيقول : من تعبدون؟ فيقولون : نعبد الله ولا نشرك به شيئا، فينتهرهم مرة أو مرتين : من تعبدون؟ فيقولون : نعبد الله ولا نشرك به شيئا، فيقول : هل تعرفون ربكم؟ [ ص: 656 ] فيقولون : سبحان الله! إذا اعترف لنا عرفناه، فعند ذلك : يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدا، ويبقى المنافقون ظهورهم طبق واحد كأنما فيها السفافيد، فيقولون : ربنا! فيقول : قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون ثم يؤمر بالصراط فيضرب على جهنم، فتمر الناس بأعمالهم زمرا، أوائلهم كلمح البصر، أو كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، ثم كأسرع البهائم، ثم كذلك حتى يجيء الرجل سعيا، حتى يجيء الرجل مشيا، حتى يجيء آخرهم رجل يتكفأ على بطنه، فيقول : يا رب، أبطأت بي، فيقول : إنما أبطأ بك عملك .

ثم يأذن الله في الشفاعة، فيكون أول شافع جبريل، ثم إبراهيم خليل الله، ثم موسى - أو قال عيسى - ثم يقوم نبيكم - صلى الله عليه وسلم – رابعا، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي وعده الله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء : 79] فليس من نفس إلا تنظر إلى بيت في الجنة، وبيت في النار، وهو يوم الحسرة، فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة فيقال : لو عملتم، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال : لولا أن من الله عليكم، ثم يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون، فيشفعهم الله، ثم يقول : أنا أرحم الراحمين، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته، حتى ما يترك فيها أحدا فيه خير، ثم قرأعبد الله : قل يا أيها الكفار : ما سلككم في سقر قالوا لم نك من [ ص: 657 ] المصلين إلى قوله : وكنا نكذب بيوم الدين [المدثر 42 - 46] قال : ترون في هؤلاء أحدا فيه خير؟ لا، وما يترك فيها أحدا فيه خير، فإذا أراد الله ألا يخرج منها أحدا غير وجوههم وألوانهم، فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع، فيقال له : من عرف أحدا فليخرجه، فيجيء الرجل فينظر فلا يعرف أحدا، فيقول الرجل للرجل : يا فلان، أنا فلان، فيقول : ما أعرفك، فيقولون : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيقول : اخسئوا فيها ولا تكلمون [المؤمنون : 107، 108] فإذا قال ذلك أطبقت عليهم، فلم يخرج منهم بشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية