صفحة جزء
قوله تعالى : والذين يتوفون منكم الآية .

أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , والنحاس في " ناسخه " والبيهقي في " سننه " ، عن ابن عباس في قوله : والذين يتوفون الآية ، قال : كان الرجل إذا مات وترك امرأته , اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله , ثم [ ص: 14 ] أنزل الله : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا . فهذه الآية عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا , فعدتها أن تضع ما في بطنها . وقال في ميراثها : ولهن الربع مما تركتم فبين ميراث المرأة , وترك الوصية والنفقة ، فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم يقول : إذا طلقت المرأة , أو مات عنها , فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , والبيهقي في " الأسماء والصفات " ، عن أبي العالية قال : ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر ؛ لأن العشر ينفخ فيه الروح .

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : سألت سعيد بن المسيب : ما بال العشر؟ قال : فيه ينفخ الروح .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ربيعة ، ويحيى بن سعيد ، أنهما قالا في قوله : وعشرا : عشر ليال .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : فإذا بلغن أجلهن [ ص: 15 ] يقول : إذا انقضت عدتها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله : فلا جناح عليكم يعني : أولياءها .

وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد , والبخاري ، وأبو داود , والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم , والحاكم , والبيهقي , من طريق ابن أبي نجيح , عن مجاهد : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا . قال : كانت هذه العدة , تعتد عند أهل زوجها , واجبا عليها ذلك , فأنزل الله : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم قال : فجعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها , وإن شاءت خرجت ، وهو قول الله : غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فالعدة كما هي واجبة عليها ، زعم ذلك عن مجاهد . وقال عطاء : قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها في أهله , فتعتد حيث شاءت ، وهو قول الله : غير إخراج . قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله . وسكنت في وصيتها , وإن شاءت خرجت ؛ لقول الله : [ ص: 16 ] فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن . قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى , فتعتد حيث شاءت , ولا سكنى لها .

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , والحاكم , عن ابن عباس ، أنه كره للمتوفى عنها زوجها الطيب والزينة ، وقال : إنما قال الله : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا . ولم يقل : في بيوتكن . تعتد حيث شاءت .

وأخرج مالك , وعبد الرزاق ، وابن سعد , وأبو داود , والترمذي , وصححه ، والنسائي , وابن ماجه , والحاكم وصححه , عن الفريعة بنت مالك بن سنان , وهي أخت أبي سعيد الخدري ، أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة , وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا , حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه ، قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي , فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " ، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد , فدعاني أو أمر بي فدعيت , فقال : " كيف قلت؟ " قالت : فرددت عليه القصة التي [ ص: 17 ] ذكرت له من شأن زوجي . فقال : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " .

قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت : فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي , فسألني عن ذلك , فأخبرته فاتبعه وقضى به .


وأخرج مالك , وعبد الرزاق , عن عمر بن الخطاب , أنه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن من الحج .

وأخرج مالك , وعبد الرزاق , عن ابن عمر , أنه قال : لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها .

وأخرج مالك , وعبد الرزاق , والبخاري , ومسلم , وأبو داود , والترمذي , والنسائي , من طريق حميد بن نافع , عن زينب بنت أبي سلمة ، أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة , قالت زينب : دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب , فدعت بطيب فيه صفرة ؛ خلوق أو غيره , فادهنت منه جارية , ثم مست به بطنها , ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة , غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر [ ص: 18 ] وعشرا " . وقالت زينب : دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد الله , فدعت بطيب ، فمسحت منه , ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة , غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " . وقالت زينب : سمعت أمي أم سلمة تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله , إن ابنتي توفي عنها زوجها , وقد اشتكت عينها , أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا " . مرتين أو ثلاثا , كل ذلك يقول : " لا " . ثم قال : " إنما هي أربعة أشهر وعشر , وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول " . قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة عند رأس الحول؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا , ولبست شر ثيابها , ولم تمس طيبا ولا شيئا , حتى تمر بها سنة , ثم تؤتى بدابة , حمار أو شاة أو طائر , فتفتض به , فقلما تقتض بشيء إلا مات , ثم تخرج , فتعطى بعرة , فترمي بها , ثم تراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب أو غيره .

[ ص: 19 ] وأخرج مالك , ومسلم , من طريق صفية بنت أبي عبيد , عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " .

وقد أخرج النسائي ، وابن ماجه حديث صفية عن حفصة وحدها , وحديث عائشة , من طريق عروة عنها .

وأخرج البخاري , ومسلم , وأبو داود , والنسائي ، وابن ماجه , عن أم عطية قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا , فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب , ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت ؛ نبذة من قسط أو أظفار " .

وأخرج أبو داود , والنسائي , عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب , ولا الممشقة , ولا الحلي , ولا تختضب , ولا تكتحل " .

[ ص: 20 ] وأخرج أبو داود , والنسائي , عن أم سلمة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة , وقد جعلت على عيني صبرا , قال : " ما هذا يا أم سلمة؟ " قلت : إنما هو صبر يا رسول الله , ليس فيه طيب . قال : " إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل , ولا تمتشطي بالطيب , ولا بالحناء , فإنه خضاب " . قلت : بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال : " بالسدر , تغلفين به رأسك " .

وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار قالا : عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمس ليال .

وأخرج مالك عن ابن عمر قال : عدة أم الولد إذا هلك سيدها حيضة .

وأخرج مالك عن القاسم بن محمد قال : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضتان .

وأخرج مالك عن القاسم بن محمد , أن يزيد بن عبد الملك فرق بين رجال ونسائهم , وكن أمهات لأولاد رجال هلكوا , فتزوجوهن بعد حيضة أو حيضتين , ففرق بينهم حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا . قال القاسم بن محمد : سبحان الله! يقول الله في كتابه : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ما هن لهم بأزواج .

وأخرج أحمد , ، وأبو داود ، وابن ماجه , والحاكم وصححه , عن عمرو بن [ ص: 21 ] العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا في أم الولد , إذا توفي عنها سيدها عدتها أربعة أشهر وعشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية