صفحة جزء
قوله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم الآية .

أخرج وكيع والفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر , والحاكم , من طريق سعيد بن جبير , عن ابن عباس في قوله ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . قال : كانوا أربعة آلاف , خرجوا فرارا من الطاعون , وقالوا : نأتي أرضا ليس بها موت . حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال لهم الله : موتوا . فماتوا , فمر عليهم نبي من الأنبياء , فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه , فأحياهم .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم , من طريق عكرمة , عن ابن عباس في الآية قال : كانوا أربعة آلاف , من أهل قرية يقال لها : داوردان . خرجوا فارين من الطاعون .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , من طريق أسباط , عن السدي , عن أبي مالك في الآية قال : كانت قرية يقال لها داوردان . قريب من واسط , فوقع فيهم الطاعون , فأقامت طائفة , وهربت طائفة , فوقع الموت فيمن أقام , وسلم الذين أجلوا , فلما ارتفع الطاعون رجعوا إليهم , فقال الذين بقوا : إخواننا كانوا أحزم منا , لو صنعنا كما صنعوا سلمنا , ولئن بقينا إلى أن يقع الطاعون لنصنعن كما صنعوا . فوقع الطاعون من قابل , فخرجوا جميعا ؛ الذين كانوا [ ص: 116 ] أجلوا , والذين كانوا أقاموا , وهم بضعة وثلاثون ألفا , فساروا حتى أتوا واديا فيحا , فنزلوا فيه , وهو بين جبلين , فبعث الله إليهم ملكين ؛ ملكا بأعلى الوادي , وملكا بأسفله , فناداهم أن موتوا . فماتوا ، فمكثوا ما شاء الله , ثم مر بهم نبي يقال له : حزقيل . فرأى تلك العظام , فوقف متعجبا لكثرة ما يرى منهم , فأوحى الله إليه أن ناد : أيتها العظام , إن الله يأمرك أن تجتمعي . فاجتمعت العظام من أعلى الوادي وأدناه , حتى التزق بعضها ببعض , كل عظم من جسد التزق بجسده , فصارت أجسادا من عظام , لا لحم ولا دم , ثم أوحى الله إليه أن ناد : أيتها العظام , إن الله يأمرك أن تكتسي لحما . فاكتست لحما , ثم أوحى الله إليه أن ناد : أيتها الأجساد , إن الله يأمرك أن تقومي . فبعثوا أحياء ، فرجعوا إلى بلادهم , فأقاموا لا يلبسون ثوبا إلا كان عليهم كفنا دسما , يعرفهم أهل ذلك الزمان أنهم قد ماتوا , ثم أقاموا حتى أتت عليهم آجالهم بعد ذلك . قال أسباط : وقال منصور , عن مجاهد : كان كلامهم حين بعثوا أن قالوا : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك , لا إله إلا أنت .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم . قال : هم من أذرعات .

وأخرج عن أبي صالح في الآية قال : كانوا تسعة آلاف . [ ص: 117 ] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . قال : مقتهم الله على فرارهم من الموت , فأماتهم الله عقوبة , ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها , ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم .

وأخرج ابن جرير عن أشعث بن أسلم البصري قال : بينا عمر يصلي ويهوديان خلفه , قال أحدهما لصاحبه : أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال : أرأيت قول أحدكما لصاحبه : أهو هو؟ قالا : إنا نجده في كتابنا : قرنا من حديد , يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله . فقال عمر : ما نجد في كتاب الله حزقيل , ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى . قالا : أما تجد في كتاب الله : ورسلا لم نقصصهم عليك ؟ فقال عمر : بلى . قالا : وأما إحياء الموتى فسنحدثك ؛ إن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء , فخرج منهم قوم , حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله , فبنوا عليهم حائطا , حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل , فقام عليهم , فقال ما شاء الله . فبعثهم الله له . فأنزل الله في ذلك : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف الآية .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم , عن هلال بن يساف في الآية قال : هؤلاء قوم من بني إسرائيل , كانوا إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم [ ص: 118 ] وأشرافهم , وأقام فقراؤهم وسفلتهم , فاستحر القتل على المقيمين , ولم يصب الآخرين شيء , فلما كان عام من تلك الأعوام قالوا : لو صنعنا كما صنعوا نجونا . فظعنوا جميعا , فأرسل عليهم الموت , فصاروا عظاما تبرق , فجاءهم أهل القرى , فجمعوهم في مكان واحد , فمر بهم نبي , فقال : يا رب , لو شئت أحييت هؤلاء , فعمروا بلادك وعبدوك . فقال : قل كذا وكذا . فتكلم به فنظر إلى العظام تركب , ثم تكلم , فإذا العظام تكسى لحما , ثم تكلم , فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون , ثم قيل لهم : وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم .

وأخرج عبد الرزاق , وعبد بن حميد ، وابن جرير , عن الحسن في الآية قال : هم قوم فروا من الطاعون , فأماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ومقتا , ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم .

وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه ، أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع , خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوزي , وهو ابن العجوز , وإنما سمي ابن العجوز لأنها سألت الله الولد وقد كبرت , فوهبه لها , وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في كتابه في قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف الآية . [ ص: 119 ] وأخرج عبد بن حميد عن وهب قال : أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان , فشكوا ما أصابهم , وقالوا : يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه . فأوحى الله إلى حزقيل أن قومك صاحوا من البلاء , وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا واستراحوا , وأي راحة لهم في الموت , أيظنون أني لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا ؛ فإن فيها أربعة آلاف . قال وهب : وهم الذين قال الله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . فقم فناد فيهم . وكانت عظامهم قد تفرقت كما فرقتها الطير والسباع , فنادى حزقيل : أيتها العظام , إن الله يأمرك أن تجتمعي . فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا , ثم قال : أيتها العظام إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب . فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب , ثم نادى حزقيل , فقال : أيتها العظام , إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم . فاكتست اللحم . وبعد اللحم جلدا , فكانت أجسادا , ثم نادى حزقيل الثالثة فقال : أيتها الأرواح , إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك . فقاموا بإذن الله , فكبروا تكبيرة رجل واحد .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم , من طريق العوفي , عن ابن عباس في قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت . يقول : عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله , فأماتهم الله حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه , ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم , فذلك قوله تعالى : وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم . وهم الذين قالوا لنبيهم : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله .

[ ص: 120 ] وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر , من طريق ابن جريج , عن ابن عباس في الآية قال : كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف , حظر عليهم حظائر , وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا , فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح , خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله , فأماتهم الله ثم أحياهم , فأمرهم بالجهاد , فذلك قوله : وقاتلوا في سبيل الله .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : خرجوا فرارا من الطاعون , وهم ألوف , ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال , قلوبهم مؤتلفة , فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة قال الله لهم : موتوا . ومر رجل وهي عظام تلوح , فوقف ينظر , فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام .

وأخرج البخاري , والنسائي , عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون , فأخبرني أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء , وجعله رحمة للمؤمنين , فليس من رجل يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا , يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد .

وأخرج أحمد , والبخاري , والنسائي , ومسلم , وأبو داود , والنسائي , عن [ ص: 121 ] عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون : " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه , وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه " .

وأخرج سيف في " الفتوح " عن شرحبيل ابن حسنة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا ؛ فإن الموت في أعناقكم , وإذا كان بأرض فلا تدخلوها , فإنه يحرق القلوب " .

وأخرج عبد بن حميد عن أم أيمن , أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بعض أهله , فقال : " وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت " .

وأخرج أحمد ، وابن أبي الدنيا في كتاب " الطواعين " , وأبو يعلى , والطبراني في " الأوسط " ، وابن عدي في " الكامل " , عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون " . قلت : يا رسول الله , هذا الطعن قد عرفناه , فما الطاعون؟ قال : " غدة كغدة البعير , المقيم بها كالشهيد , والفار منه كالفار من الزحف " .

وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد , والبزار ، وابن خزيمة , والطبراني , عن [ ص: 122 ] جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الفار من الطاعون كالفار من الزحف , والصابر فيه كالصابر في الزحف " .

التالي السابق


الخدمات العلمية