صفحة جزء
قوله تعالى : ولما برزوا لجالوت الآية .

أخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , عن مجاهد قال : كان طالوت أميرا على الجيش , فبعث أبو داود بشيء إلى إخوته , فقال داود لطالوت : ماذا لي وأقتل جالوت؟ فقال : لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي . فأخذ مخلاة , فجعل فيها ثلاث مروات , ثم سمى إبراهيم [ ص: 150 ] وإسحاق ويعقوب , ثم أدخل يده , فقال : باسم الله إلهي , وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب . فخرج على إبراهيم , فجعله في مرجمته , فرمى بها جالوت , فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة عن رأسه , وقتلت مما وراءه ثلاثين ألفا .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , عن وهب بن منبه قال : لما برز طالوت لجالوت قال جالوت : أبرزوا إلي من يقاتلني , فإن قتلني فلكم ملكي , وإن قتلته فلي ملككم . فأتي بداود إلى طالوت , فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته , وأن يحكمه في ماله , فألبسه طالوت سلاحا , فكره داود أن يقاتله بسلاح , وقال : إن الله إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئا . فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار , ثم برز له جالوت : أنت تقاتلني؟ قال داود : نعم . قال : ويلك , ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة , لأبددن لحمك , ولأطعمنه اليوم للطير والسباع . فقال له داود : بل أنت عدو الله شر من الكلب . فأخذ داود حجرا , فرماه بالمقلاع , فأصابت بين عينيه , حتى نفذت في دماغه , فصرخ جالوت , وانهزم من معه , واحتز رأسه .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم , عن السدي قال : عبر يومئذ النهر مع [ ص: 151 ] طالوت أبو داود , فيمن عبر , مع ثلاثة عشر ابنا له , وكان داود أصغر بنيه , وإنه أتاه ذات يوم , فقال : يا أبتاه , ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته . قال : أبشر , فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك . ثم أتاه يوما آخر , فقال : يا أبتاه , لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا , فركبت عليه , وأخذت بأذنيه , فلم يهجني . فقال : أبشر يا بني , فإن هذا خير يعطيكه الله . ثم أتاه يوما آخر , فقال : يا أبتاه , إني لأمشي بين الجبال فأسبح , فما يبقى جبل إلا سبح معي . قال : أبشر يا بني , فإن هذا خير أعطاكه الله . وكان داود راعيا , وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام , فأتى النبي بقرن فيه دهن , وبثوب من حديد , فبعث به إلى طالوت , فقال : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه , فيغلي حتى يدهن منه , ولا يسيل على وجهه , يكون على رأسه كهيئة الإكليل , ويدخل في هذا الثوب , فيملؤه . فدعا طالوت بني إسرائيل , فجربهم به , فلم يوافقه منهم أحد , فلما فرغوا قال طالوت لأبي داود : هل بقي لك ولد لم يشهدنا ؟ قال : نعم , بقي ابني داود , وهو يأتينا بطعامنا . فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار , فكلمنه وقلن له : يا داود , خذنا تقتل بنا جالوت . فأخذهن , فجعلهن في مخلاته , وقد كان طالوت قال : من قتل جالوت زوجته ابنتي , وأجريت خاتمه في ملكي . فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه , فغلى حتى ادهن منه , ولبس الثوب فملأه , وكان رجلا مسقاما مصفارا , ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه , فلما لبسه داود تضايق عليه الثوب حتى تنقص , ثم مشى إلى جالوت , [ ص: 152 ] وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم , فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه , وقال له : يا فتى , ارجع , فإني أرحمك أن أقتلك . فقال داود : لا , بل أنا أقتلك .

وأخرج الحجارة , فوضعها في القذافة , كلما رفع حجرا سماه , فقال : هذا باسم أبي إبراهيم , والثاني باسم أبي إسحاق , والثالث باسم أبي إسرائيل . ثم أدار القذافة , فعادت الأحجار حجرا واحدا , ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت , فنقبت رأسه , فقتله , ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه حتى لم يكن بحيالها أحد , فهزموهم عند ذلك , وقتل داود جالوت , ورجع طالوت فأنكح داود ابنته , وأجرى خاتمه في ملكه , فمال الناس إلى داود وأحبوه ، فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده , فأراد قتله , فعلم به داود , فسجى له زق خمر في مضجعه , فدخل طالوت إلى منام داود , وقد هرب داود , فضرب الزق ضربة فخرقه , فسالت الخمر منه , فقال : يرحم الله داود , ما كان أكثر شربه للخمر . ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم , فوضع سهمين عند رأسه , وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين , فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها , فقال : يرحم الله داود , هو خير مني , ظفرت به فقتلته , وظفر بي فكف عني . ثم إنه ركب يوما , فوجده يمشي في البرية , وطالوت على فرس , فقال طالوت : اليوم أقتل داود . وكان داود إذا فزع لا يدرك ، فركض على أثره طالوت , ففزع داود , فاشتد , فدخل غارا , وأوحى الله إلى العنكبوت , فضربت عليه بيتا , فلما انتهى طالوت إلى الغار , نظر إلى بناء العنكبوت , فقال : لو دخل هاهنا لخرق بيت العنكبوت . فتركه وملك داود بعدما قتل طالوت , وجعله الله نبيا , [ ص: 153 ] وذلك قوله : وآتاه الله الملك والحكمة . قال : الحكمة هي النبوة , آتاه نبوة شمعون وملك طالوت .

وأخرج ابن المنذر , عن ابن إسحاق ، وابن عساكر , عن مكحول , قالا : زعم أهل الكتاب أن طالوت لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود هم بأن يغتال داود , فصرف الله ذلك عنه , وعرف طالوت خطيئته , والتمس التنصل منها والتوبة , فأتى إلى عجوز كانت تعلم الاسم الذي يدعى به , فقال لها : إني قد أخطأت خطيئة لن يخبرني عن كفارتها إلا اليسع , فهل أنت منطلقة معي إلى قبره , فداعية الله ليبعثه حتى أسأله ؟ قالت : نعم . فانطلق بها إلى قبره , فصلت ركعتين ودعت فخرج اليسع إليه فسأله فقال : إن كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد . ثم رجع اليسع إلى موضعه وفعل ذلك طالوت حتى هلك وهلك أهل بيته , فاجتمعت بنو إسرائيل على داود , فأنزل الله عليه , وعلمه صنعة الحديد فألانه له , وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح , ولم يعط أحدا من خلقه مثل صوته , وكان إذا قرأ الزبور ترنو إليه الوحش حتى يؤخذ بأعناقها , وإنها لمصغية تستمع له , وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والنوح إلا على أصناف صوته .

التالي السابق


الخدمات العلمية